اليوم في لقائنا.. «الأجواء ممطرة وكأن الشتاء يودعنا بدموعه الكريمة في كل عام؛ ليتركنا بين أحضان الربيع».. هذه كانت مقدمة لقائي بصغيراتي.. لقاؤنا اليوم عن «قوس المطر» وما يحمله في قلبه الجميل من ألوانه المبهرة.. كم كان شوق صغيراتي مفرطاً لمزج هذه الألوان بأناملهن الرقيقة بكل حرية وبلا قيود كما عودتهن دائماً.. كانت رائحة المطر وكأنها تنبعث من بين تلك الألوان حقاً.. الضجيج الخلاَّق كان يحف المكان ما بين سؤال واستشارة فنية ودهشة بلون جديد يظهر فجأة.. لكنه وبصوت حاد ونبرة مميزة انبرت حروف إحدى صغيراتي موقفة كل هذا المشهد !!..سألتني: «معلمتي، هل تعلمين لماذا نزل هذا المطر الكثير في هذه الأيام؟»..تداخلت كل الإجابات العلمية والطبيعية والفلسفية والمنطقية في عقلي!! ..لكني فضلت أن أسمع وجهة نظر صغيرتي والتي توقعت (لجهلي) أنها ستحتاج مني للتوضيح والتقويم والشرح وغيره.. فهذه عادة الكبار لابد أن يضعوا لمساتهم الأخيرة على كل حوار مع الأطفال.. لم تنتظرني صغيرتي!!.. وحق لها ذلك. فارتفعت نبرتها أكثر قائلة: «كل هذا المطر الكثير نزل لأني دعيت!! وسوف أدعي لكم كلكم».. هنا تراجع العلم والطبيعة وخجلت خلفه الفلسفة!!.. تجردت بيني وبين نفسي.. ألهذه الدرجة يا صغيرتي تمتلكين هذه القوة الخارقة؟!.. والطاقة المشرقة؟! التي فتقت بين راحتيك الطاهرتين عنان السماء!!..غالبت دموعي فغلبتني «لو أقسم على الله لأبره»..وبكل ثقة وكأنها تملك مفاتيحها السحرية لأبواب السماء: «سأدعو لكم جميعاً» رددتها كثيراً.. وقفتُ أمام عجزي وانحسار الكثير من أمنياتي طويلاً.. وكيف لذات الست سنوات أن تتباهى أمامي بقدراتها!!.. دفعتني حاجتي الملحة ونفسي الحائرة إلى أن أطلب منها أن تتوسط لي بالدعاء.. لكني ألجمت نفسي صبرها.. أدركتُ أن الذات المقدسة هي ذات آخرية وذاتية بالمشهد نفسه..وأن الذات الإنسانية لها أن تشف بسهولة عن الذات المقدسة إذا ما خالط النقاء اليقين.. «إلا من أتى الله بقلب سليم».. عادت بي الأيام يا صغيرتي معك لطفولتي وإلى معجزاتي التي كانت تتراقص أمامي بعد دعوة ساذجة محفوفة بالنقاء واليقين فحسب.. الطريق إلى الله أقرب مما نقيس.. وأوضح مما نرى.. ولن أقول المفاتيح في متناول الجميع بل هي الأبواب مفتوحة.. والخزائن ملأى.. المعجزات حقائق.. والأساطير أحداث.. كان حقاً يوماً ممطراً خامرت فيه الدموع قطرات المطر لتختفي خجلاً بين طياها.. صغيرتي لن أضع قائمة دعواتي بين يديك المحملة بالألعاب.. بل أنا من سأعود طفلة مثلك.. وسأحمل أمنيات شبابي ونضجي وحتى كهولتي.. وأنثرها بين زخات المطر وعبير الهواء.. وأتماهى معك ومع أمنياتي حتى أراها ساكنة بين ذراعي.