خالد بن حمد المالك
من بين أفضل البرامج، والحوارات التوثيقية التي تقدمها القناة السعودية الأولى هذه الأيام، وتستضيف فيها بعض المؤرِّخين، وذوي الاهتمام بالملك عبدالعزيز ورجاله -رحمهم الله جميعًا- والشأن السعودي بعامة، برنامج (رجال الملك عبدالعزيز)، حيث الذكريات الجميلة، والمحطات المهمة في حياة الملك المؤسس، وحيث العلاقة التاريخية بين الملك ورجاله، وما يُروى عن مختلف الأحداث والتطورات التي رافقت مسيرة المؤسس ورجاله حتى تم توحيد البلاد، وإرساء دعائم الحكم في المملكة العربية السعودية.
* *
مثل هذا البرنامج التوثيقي، وتمكين كل من لديه شغف بمعرفة العلاقة بين الملك عبدالعزيز ورجاله من خلال ما يتحدث به الأقرباء والمؤرِّخون، يعد مطلباً لاستحضار تاريخ المملكة، ودور رجال الملك عبدالعزيز في تلك الحقبة المضيئة، وصولاً لتوثيق ما أهمله التاريخ عن تلك الملحمة التاريخية الخالدة التي قادها الملك المؤسس -رحمه الله-، والدور الكبير البارز لرجال عبدالعزيز فيها، ما يجعل من متابعة البرنامج فضلاً عن أنه متعة، فهو مصدر علم ينفع لمن يريد أن يتعرَّف على تاريخ المملكة وبطولات عبدالعزيز، اعتماداً على آراء موثَّقة من المهتمين والباحثين والدارسين والأكاديميين.
* *
لقد تابعت عدداً من حلقات هذا البرنامج، وشدَّني ما تضمنته لقاءات المتحدثين من معلومات ثريَّة، وقصص مثيرة، وقيمة كبيرة عن الملك عبدالعزيز ورجاله، ولا يمكن في عجالة أن أكتب عن كل ما تسنى لي مشاهدته، واستقرأته، إذ إن هذه الزاوية لا تستوعب إلا القليل من الكلام عن هذا البرنامج، لهذا سوف أختار حلقة واحدة كعينة أستشهد بها في التعليق، وأنقل من خلالها شيئاً من انطباعاتي عن هذا البرنامج، تعضيداً له، وتقديراً لكل من تحدثوا عن أهم مرحلة في تاريخ المملكة، وهي مرحلة تأسيس الدولة وتوحيد البلاد.
* *
من بين رجال الملك عبدالعزيز، يقدِّم لنا البرنامج عدداً من الأسماء الكبيرة في أسرة آل إبراهيم، وضمن ذلك ما تحدث به ضيوف البرنامج عن عبدالرحمن آل إبراهيم -رحمه الله-، حيث بدأت به انطلاقة إسهامات أسرة آل إبراهيم مع الدولة السعودية الثانية منذ منتصف القرن الثالث عشر في عهد الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله بن سعود -رحمه الله- وتحديداً في عام 1259هـ، ويذكر عبدالله أبو راس عن ذلك في كتابه أن الإمام فيصل أرسل ضمن حملاته سرية إلى عُمان بقيادة عبدالرحمن بن إبراهيم آل إبراهيم لتنفيذ المهمة التي كلفه بها والتي تقضي باتخاذ البحرين قاعدة للقوات السعودية بعد أن تنضم إليها حامية الأحساء، ويبدو أن أول إمارة أسندت إلى عبدالرحمن بن إبراهيم هي إمارة ضرما، ثم إمارات البريمي وعنيزة وبريدة والأفلاج، وفي كل إمارة أسندت إليه كانت توكل لعبدالرحمن قيادة السرايا للقضاء على القلاقل والفتن، لكن البرنامج ركَّز على عبدالعزيز بن إبراهيم آل إبراهيم -رحمه الله- كون البرنامج يختص برجال عبدالعزيز، هذه الشخصية التي صقلتها الأحداث السياسية الصعبة التي كانت تمر بها المنطقة والعالم، فظهر نبوغه وبعد نظره وتقديره للأمور مبكراً، فوثق به جلالة الملك عبدالعزيز وقرَّبه إليه، وكلَّفه بعدد من المهام الجسام، وما كان عبدالعزيز آل إبراهيم أن ينال ثقة الملك عبدالعزيز، لولا أن المؤسس وجد فيه من الصفات والمواصفات ما يلبي تطلعاته.
* *
وعبدالعزيز بن إبراهيم آل إبراهيم -كما جاء في البرنامج، وكما تحدث عنه حفيده خالد بن إبراهيم بن عبدالعزيز آل إبراهيم، وعبدالله بن سعيد أبو راس، ونايف الشراري، وكما جاء في كتابين صدرا للدكتور عبدالله أبو راس والدكتور محمد الزيد بعنوان (عبدالعزيز بن إبراهيم آل إبراهيم)- وكتابين آخرين أحدهما بعنوان آل إبراهيم الفضليون لأبي عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري، والكتاب الثاني بعنوان سيرة الشيخ إبراهيم بن عبد العزيز آل إبراهيم لنجدة فتحي صفوه، هو أمير عسير، ثم عيِّن أميراً للطائف، فأميراً للمدينة المنورة، وانتهى به المطاف في خدمة الدولة بتعيينه عضواً بمجلس الوكلاء في مرحلة تأسيس المملكة، وكان هذا المجلس -آنذاك- بمنزلة مجلس الوزراء حاليًا، وهناك مسؤوليات أخرى كثيرة غير ما أشرنا إليه أوكلت إليه.
* *
ولم يكن عبدالعزيز آل إبراهيم إنساناً عادياً، ففي مسيرته مواقف رجولية، وأعمال خالدة، وممارسات تنم عن قائد ملهم، وللتذكير بما يُروى عنه، دوره قبل تعيينه أميراً في كل من عسير والطائف والمدينة المنورة في مصالحة محمد بن طلال بن رشيد للملك عبدالعزيز إثر محاصرة جلالة الملك لحائل عام 1340هـ، حيث سلَّم ابن طلال نفسه ومعه آل الرشيد وأعيان قومه وأتباعه ورعيته ومن ولاه إلى الملك عبدالعزيز يرافقهم (الوسيط عبدالعزيز آل إبراهيم)، فحصلوا من الملك عبدالعزيز على عفو شامل، وعاشوا في كنف المؤسس بعيداً عن حائل، ولهذه المفاوضات تفاصيل كثيرة، فقد أناب ابن طلال عبدالعزيز آل إبراهيم للتفاوض مع الملك عبدالعزيز نيابة عنه، وأعطاه خاتمه، وفوَّضه بالتوقيع نيابةً عنه، وبهذا انضمت حائل إلى حكم آل سعود بعد استسلامه.
* *
ولد عبدالعزيز آل إبراهيم عام 1297هـ وهو نفس العام الذي ولد فيه الملك عبدالعزيز، وكان آل إبراهيم مولعاً بالشعر والأدب، قراءةً وحفظاً، كما تلقى على العلماء والمشايخ في الرياض والأفلاج العلوم الشرعية، مما أثَّر على نشأته وتكوينه، ومكَّنه ذلك من التعامل مع أحداث سياسية وأمنية في منطقة كانت غير مستقرة قبل توحيد المملكة، بحكمة وذكاء وبعد نظر، معتمداً في ذلك على توجيهات الملك المؤسس، وتنفيذ أوامره، وتطبيقه للسياسات التي يوصيه بها.