بريدة - خاص بـ«الجزيرة»:
نبه الدكتور عبدالله بن حمد السكاكر أستاذ الفقه بجامعة القصيم عن بعض مسالك الشيطان الخفية لإضلال بني آدم وإغوائهم، وهو ما يغفل ويتهاون بها البعض، مما تستسهل المعاصي وتهون، مشيراً إلى أنه منذ أن قال إبليس: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين}، وهو يبتكر الحيل ويخترع المسالك الخفية لإبرار قسمه، وإغواء بني آدم وإضلال من شاء الله منهم, ولم يزل القرآن وقت تنزله يحذر خطر إبليس وأعوانه، ويكشف شيئًا من حيلهم ومسالكهم, قال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 168، 169] وقال سبحانه {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا، لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا، وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا، يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [النساء: 117 - -20]. وما زال أهل العلم يحذرون من مكائد الشيطان ويكشفون ما خفي من مداخله حتى صنف بعضهم في مداخل الشيطان ومسالكه ككتاب (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان) للإمام ابن القيم - رحمه الله.
وقدم الدكتور عبدالله السكاكر مسلكين من مسالك الشيطان، وهما: المسلك الأول: تهوين المعصية بكثرة من يقارفها، فلا يراك الشيطان مستعظمًا لخطيئة إلا هونها بكثرة مقارفيها، قد فعلها فلان وفلان، بل كل الناس على هذا الأمر، وما ذلك إلا لأن إبليس يعلم أن كثرة من يقارف المعصية في العلن يُذهب كثيرًا من نكارتها في القلوب، وهذه هي الحكمة من شعيرة النهي عن المنكر في الإسلام، فإذا رأى إبليس تمنعًا من المسلم واستمرارًا في مجافاة المعصية سلط عليه أقرب الناس إليه، زوجته وأولاده وإخوانه، فما يمتنع من شيء إلا قالوا: قد فعله فلان وفلان، وفعله فلان وهو خير منك، والحقيقة أن كثرة من يقارف المعصية يجب أن يكون زاجرًا عنها، لأن الناس إذا تهالكوا على المعصية كان ذلك سببًا لنزول العقوبة العامة، وفي الموطأ عَنْ عَبْدِ اللَّه بن عبَّاس -رضي الله عنهما- أنه قال: (ما ظَهَرَ الْغُلُولُ فِي قَوم قط إلَّا أُلقي في قلوبهم الرُّعب، ولا فشا الزنا في قَوم قط إلَّا كثر فيهم الموْت..) وفي شرح السنة قال مالكٌ - رحمه الله: إنِّي لأكْرَهُ المقامُ بالبلدة الَّتي يُعْصى اللَّهُ فِيها عَلانِيَةً، قالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: ألَمْ تَكُنْ أرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها [النِّساء].
أما المسلك الثاني: تهوين المعصية بما هو أعظم منها، فإذا انجفل المؤمن عن معصية من المعاصي هونها عليه الشيطان بما هو أعظم منها، فيقول الشيطان للمؤمن: قد فعل غيرك ما هو أعظم من ذلك، وأنت أهون من فلان وفلان الذين فعلوا كذا وكذا.
مما هو أعظم من تلك المعصية، فإذا نام المسلم عن الصلاة المكتوبة فلم يصلها إلا بعد خروج وقتها قال له الشيطان: أنت خير ممن لا يصليها البتة.
وإذا ترك المسلم صيام رمضان بلا عذر قال له الشيطان: أنت خير ممن ترك الصلاة.
وإذا اختلس الموظف شيئًا من وقت وظيفته قال له الشيطان أنت أهون ممن اختلس الملايين.
فلا تعظم المعصية في قلب المسلم إلا هونها الشيطان بما هو أكبر منها، ولو أن المعصية تهون بما هو أكبر منها لم يعاقب الله سبحانه البشر إلا بذنب واحد، إذ لا يوجد ذنب إلا وفوقه ما هو أكبر منه إلى أن ينتهي الأمر إلى ذنب واحد، وفي مسند أحمد عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم ومحقرات الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب كقوم نزلوا في بطن وادٍ، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه».
وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه، قال: «إنكم لتعملون أعمالاً، هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات» قال أبو عبد الله: «يعني بذلك المهلكات».
واختتم الدكتور عبدالله السكاكر حديثه قائلاً: ينبغي للمؤمن أن يعلم أنه يُحاسب يوم القيامة وحده قال سبحانه: وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا [مريم: 80] فلن تخفف عنه معصية العاصي ولن تنفعه طاعة المطيع، وإذا عجز المسلم عن النهي عن المنكر فلا أقل من أن لا يأمر به ولا يعين عليه، وليحذر أن يحاسب يوم القيامة على أوزار لم يقترفها بدعوة الناس إليها أو تهوينها في أعينهم فإن هذا أخسر الخسران قال الطبري -رحمه الله- في تأويل قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (13) سورة العنكبوت: يقول تعالى ذكره: وليحملن هؤلاء المشركون بالله القائلون للذين آمنوا به اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم أوزار أنفسهم وآثامها، وأوزار من أضلوا وصدوا عن سبيل الله مع أوزارهم.
اللهم إنا نعوذ بك أن نكون أعوان باطل أو دعاة سوء، أو أن نلقى الله بآثام غيرنا.