عبد الله الرفيدي - «الجزيرة»:
المخاطر البيئية والمناخية قضية دولية مشتركة تتجاوز الحدود الوطنية للدول، وأن التعامل معها يتطلب حلولاً شاملة تعالج تلك المخاطر بمنظور متكامل يتجاوز الحلول الجزئية.
وهناك فرصة كبيرة جداً ومواتية لتسريع الجهود العالمية القائمة لإيجاد حلول عالمية مشتركة للحفاظ على مستقبل الأجيال القادمة وحماية كوكب الأرض، بفضل تنامي الوعي والإدراك العام لحقيقة المخاطر البيئية والمناخية، وما يترتب عليها من انعكاسات سلبية على المجتمعات الإنسانية.
وقد عززت المملكة، خلال فترة ترؤسها مجموعة العشرين العام الماضي، دورها الريادي تجاه القضايا الدولية المشتركة، والإسهام في حماية كوكب الأرض، ونتج عن ذلك إصدار إعلان خاص حول البيئة، وتبني مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، وتأسيس أول مجموعة عمل خاصة للبيئة فيها. كما خصصت مساراً خاصاً بالبيئة نتج عنه بيان وزاري تناول مجمل التحديات البيئية العالمية ومن ضمنها التغير المناخي.
وأثمرت جهود المملكة خلال قمة مجموعة العشرين بإطلاق مبادرتين دوليتين للحد من تدهور الأراضي، وحماية الشعب المرجانية، وسيكون لهاتين المبادرتين أثر كبير في تعزيز الجهود الدولية للحد من آثار التغير المناخي.
وأسهم التطور في مجال تنمية المحميات الطبيعية محليا في رفع نسبة تغطية المملكة من (4 في المئة) إلى ما يزيد على (14 في المئة)، وزيادة الغطاء النباتي في المملكة بنسبة (40 في المئة)، وذلك خلال الأربع سنوات الماضية فقط.
وقد أكدت منطلقات رؤية 2030 على مواجهة تلك التحديات والمخاطر من خلال رفع كفاءة إدارة المخلفات، والحد من التلوث بمختلف أنواعه، ومقاومة ظاهرة التصحر، والعمل على الاستثمار الأمثل للثروة المائية عبر الترشيد واستخدام المياه المعالجة والمتجددة، والتأسيس لمشروع متكامل لإعادة تدوير النفايات.
وسبق أن أعلن سمو ولي العهد مبادرة «السعودية الخضراء»، ومبادرة «الشرق الأوسط الأخضر»، اللتين سترسمان توجه المملكة والمنطقة في حماية الأرض والطبيعة ووضعها في خارطة طريق ذات معالم واضحة وطموحة، وستسهمان بشكل قوي بتحقيق المستهدفات العالمية، من خلال زراعة 50 مليار في شجرة، في أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم.
وستعمل مبادرة «السعودية الخضراء» على تقليل الانبعاثات الكربونية بأكثر من (4 في المئة) من الإسهامات العالمية، من خلال مشاريع في مجال التقنيات الهيدروكربونية النظيفة التي ستمحو أكثر من (130) مليون طن من الانبعاثات الكربونية.
وسيؤدي تنفيذ مبادرة «السعودية الخضراء» إلى رفع نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30 في المئة من مساحة أراضي المملكة، ما يعادل (600) ألف كيلومتر مربع، لتتجاوز المستهدف العالمي الحالي بحماية 17 في المئة من أراضي كل دولة، إضافة إلى عدد من المبادرات لحماية البيئة البحرية والساحلية.
وتدعم مبادرة «السعودية الخضراء» جهود المملكة لاستعادة مساحة تعادل ( 40مليون) هكتار من الأراضي المتدهورة، مما يمثل (4 في المئة) من الهدف العالمي لإعادة تأهيل مليار هكتار.
كما حصلت مبادرتا «السعودية الخضراء» و»الشرق الأوسط الأخضر» على تأييد عالمي من عدد من الدول والمنظمات الدولية، وتسعى المملكة جادة لحصد نتائج فعالة من هذه المبادرات، ولهذا ستعقد منتدى «السعودية الخضراء» في منتصف هذا العالم وقمة «الشرق الأوسط الأخضر» في أواخر هذا العام من هذا العام، متطلعة إلى أن تكون هاتين المبادرتين محطة مفصلية في رسم مستقبل كوكب الأرض.
ونصت رؤية المملكة 2030 على حماية الشواطئ والمحميات والجزر وتهيئتها، بما يمكن الجميع من الاستمتاع بها، وذلك من خلال مشروعات تمولها الصناديق الحكومية والقطاع الخاص، وأعلن في هذا الصدد عن إنشاء مجلس للمحميات الملكية في الديوان الملكي، وعن تحديد محميات ملكية.
وكان للقطاع الخاص دور بارز حيث أنشأت الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) أكبر مصنعٍ في العالم لتنقية غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي يُستفاد منه في صناعات عدة، منها صناعة المغذيات الزراعية، والاحتياجات الطبية، والمشروبات الغازية.
وباستثمارٍ مباشر من شركة أعمال الطاقة والمياه الدولية (أكوا باور) السعودية، تم افتتاح مشروع محطة سكاكا لإنتاج الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية، وهو أول مشروعات الطاقة المتجددة في المملكة، وتبلغ طاقته الإنتاجية 300 ميجاوات حيث سيُسهم في خفض حوالي 500 ألف طن سنوياً من الانبعاثات الكربونية.
واعتمدت الاستراتيجية الوطنية للبيئة في المملكة، والتي تضمنت إعادة هيكلة شاملة لقطاع البيئة، لتحقيق الاستدامة البيئية، والاقتصادية، والرفاه الاجتماعي، والمشاركة البيئية، وأنشأت لذلك خمسة مراكز بيئية متخصصة، وأطلقت أكثر من مبادرة تتناول كافة جوانب البيئة بتكلفة إجمالية تتجاوز مليار ريال، كما اعتمدت نظاماً جديداً للبيئة يتوافق مع أفضل المعايير والممارسات الدولية.
لا تتجاوز نسبة انبعاثات الغازات، المتسببة في الاحتباس الحراري، من أعمال شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية)، حسب اتفاقية باريس، 0.2 في المائة فقط. كما أن كثافة الكربون، في أعمال قطاع التنقيب والإنتاج، في أرامكو السعودية، هي الأدنى مقارنة بأي شركة نفط كبرى، كما تؤكّد ذلك تقارير عالمية محايدة. فيما تبلغ كثافة غاز الميثان في أعمال أرامكو السعودية، 0.06 في المائة فقط، وهي نسبة لا تُذكر قياساً بمتوسط الصناعة.
ويقوم معمل الغاز في الحوية، التابع لأرامكو السعودية، باحتجاز ما يُقارب 800 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، تُنقل عبر خط أنابيب، على مدى 85 كيلومتراً، إلى مرافق إنتاج البترول في العثمانية لتُستخدم في تعزيز الإنتاج.
وتسعى المملكة إلى تقليل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون المصاحب وتدويره، للوصول إلى منظومة اقتصادية مستدامة، تُعرف بالاقتصاد الكربوني الدائري، وهذه المنظومة هي بمثابة امتداد لدورة الغازات الحيوية والطبيعية للأرض، الأمر الذي يبرز جهودها المستمرة لتنفيذ ما التزمت به من إسهاماتٍ وطنية في إطار اتفاق باريس.
وتواصل المملكة مع شركائها في الشرق الأوسط السعي لتقليل الانبعاثات الكربونية بأكثر من (10 في المئة) من الإسهامات العالمية وقد تمكنت فعلياً من الوصول إلى أفضل مستوى انبعاثات كربونية بين الدول المنتجة للنفط.
ويواصل قطاع الطاقة في المملكة جهوده في مجال خفض الانبعاثات الكربونية بانتهاج حلول علمية عملية لاستخراج واستخلاص وتخزين الكربون في قطاعات الطاقة، وإيجاد وقود نظيف ومنتجات آمنة باستخدام التقنيات المتاحة، بما يتوافق مع توجه المجتمع الدولي نحو الاهتمام بقضايا الحفاظ على المناخ والبيئة.
وتبنى قطاع الطاقة في المملكة تنفيذ خطة لتحقيق المزيج الأمثل من الطاقة لتوليد الكهرباء، تهدف إلى أن تُصبح حصة الغاز ومصادر الطاقة المتجددة في هذا المزيج حوالي 50 في المئة لكل منهما بحلول عام 2030م، وذلك بإزاحة ما يقارب مليون برميل بترول مكافئ من الوقود السائل يومياً، تُستهلك في إنتاج الكهرباء وتحلية المياه وفي قطاعات أخرى.