د.شريف بن محمد الأتربي
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مصدرًا وحيدًا منفردًا لكثير من الناس، الذين يجدون بين أيديهم معلومات سهلة وسريعة، تتفق مع نمط حياتهم المتسارع في كل شيء من مأكل ومشرب وملبس وحتى في قيادة السيارات.
وإن ما يتعرض له شبابنا اليوم من هجمات شرسة عبر وسائل التواصل الاجتماعي هدفها الأول والأساسي هو هدم الهوية العربية والثقافة المجتمعية بحيث يصبح لدينا مجموعة من الأفراد لا يرتبطون بمجتمعاتهم العربية ولا الشخصية، مفرغين من المبادئ والأفكار والمعتقدات التي قامت عليها هذه المجتمعات لآلاف السنين، ينتمون إلى شخصيات خزعبلية وهمية منتشرة عبر هذه الوسائل المقيتة.
إن كلمة الثقافة بمعناها العام تشير إلى ثقافة المجتمعات الإنسانية كافة، كما أنها طريقة حياة، تميز كل مجموعة بشرية عن الأخرى، وهي الموروث الوحيد القابل للنقل من جيل إلى آخر دون الحاجة إلى خزائن ولا حراس.
والثقافة في اللغة مأخوذة من الفعل الثلاثي «ثقف» بضم القاف وكسرها، وتطلق في اللغة على العديد من المعاني، فهي تعني: الحذق، والفطنة، والذكاء، وسرعة التعلم، وتسوية الشيء، وإقامة اعوجاجه، والتأديب، والتهذيب، والعلم، والمعارف، والتعليم، والفنون. وقد انطوى مفهوم الثقافة على معنيين، أحدهما يعتبر ذاتيًّا، وهو ثقافة العقل، والآخر موضوعي، ويشير إلى مجموعة العادات الاجتماعية والآثار الفكرية، إضافة إلى المنجزات العلمية والفنية، أي كل ما يتم تداوله بين الناس في حياتهم من مكتسبات يحصلونها بالتعلم. وبطبيعة الحال، فالثقافة هي مظاهر التقدم الفكري والعقلي. وقد اقتصر مفهوم الثقافة لغة واصطلاحًا على دلالاته الفنية والأدبية، خاصة في الدراسات المتعلقة بالتربية والإبداع. وفي القرن العشرين عرفت الثقافة بأنها حصيلة التفاعل بين الإنسان وبيئته، في حين ركز الفلاسفة على العوامل التي انطوت عليها الثقافة في تخطيها الحتميات الطبيعية.
وقد استخدم مصطلح «مثقف» في المجتمعات للتفرقة بين الشخص العادي والشخص صاحب المعرفة والعلم.
وقد هالني ما وصل إليه بعض شبابنا - هداهم الله - من تسطيح معرفي وتشوش فكري؛ فقد نشر أحد المواقع على تويتر تغريدة تحوي كلمات لي مجتزأة من مقالة نُشرت لي من قبل، مفادها: «منع الغش أمر معقد»؛ لأجد مئات من الردود من شبابنا يستخفون بموضوع الغش، ويعتبرونه حقًّا مكتسبًا لهم، بل إن منهم من أفتى بأن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشأن الغش لا يشمل الغش في التعليم، بل يقتصر فقط على التجارة. إلى هذا الحد من الجهل والاستخفاف بالأحكام الدينية وصلنا؟
وقد حاولت أن أتعرف على المجالات التي يتابعها شبابنا على وسائل التواصل الاجتماعي فهالني ما سمعت من أبنائي وأبناء أصدقائي؛ فهم يتابعون المؤثرين عبر السناب شات والإنستغرام وغيرهما، يتابعون فتى لم يترك حتى المسنين من أسرته فأقحم جدته في سخافاته المنتشرة - للأسف - وقد ذكر لي أن حفل زواج جدته وصل عدد مشاهديه إلى أكثر من 10 ملايين مشاهدة!
فضلاً عن المتفيهقين الذين يدعون العلم وهو منهم براء. وتجد شبابنا يستقون منهم أحكامًا وقواعد يرتكزون عليها في معاملاتهم، بل ينقلونها إلى محيطهم أو عالمهم الخاص المحاط بهالة من السرية، لا تستطيع الأسرة ولا المجتمع اقتحامه ولا الاقتراب منه بداعي الخصوصية وحماية الحقوق الشخصية لهم.
وعلى الجانب الآخر أجد أن هناك قصورًا مجتمعيًّا تجاه هذه المشكلة، وتركها بلا تدخل، كأنها لا تعنينا في شيء، فغابت ثقافة التثقيف عن المجتمع، واكتفينا ببث رسائلنا التوعوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط، ونسينا أن هناك طرقًا أخرى يمكنها تحقيق أهدافنا؛ نسينا المدرسة والمعلم والمرشد الطلابي، نسينا الأسرة ودورها الأساسي في عملية التثقيف، نسينا كل هذا وتركنا أبناءنا فريسة سهلة لمدعي الثقافة وهي منهم براء.. وأقول لهم: ثقِّفوا أنفسكم قبل أن تُثقفوا...
وصدق الله العظيم القائل في كتابه الحكيم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ} (سورة البقرة).