منال الخميسي
شهر متفرد يأتي كل عام منحة من رب العالمين؛ كي تزيد فيه الطاعات يكتمل عنده فرض من فروض الإسلام الخمسة ألا وهو الصيام، ضيف كريم نعلم جيداً أنه يحب صالح الأعمال لا طالحها، فالأجدر بنا أن نعامل ضيفنا كما يحب لا كما نريد فلا نضع طقوساً لاستقباله لا تليق به بل وتنقص من قدره بداية من الإسراف ونهاية بالبعد عن الطاعات وانتظار الملهيات والتعلق بها بكل أشكالها، بداية من اليوم الأول تتعلق القلوب بما يقدم من محتويات البرامج والمسلسلات التي من الممكن أن تعرض طوال العام فمن الممكن تأجيلها لما بعد انقضائه والتفرغ للطاعة التي أتى من أجلها هذا الشهر الكريم، تخيل نفسك يقدم إليك عرض تسويقي رائع بأن تعوض خسارة أموالك أو مدخراتك طوال العام في ليلة أو ساعة وتضيع هذا العرض بالمزيد من التفريط في مدخراتك حتى تصل إلى الفقر المدقع.
هذا الشهر يقدم فيه رب العباد فرصة قد لا تكون قادراً على تعويضها مرة أخرى، فالعمر لا يمكن أن تعرف متى سينتهي ولا يمكن التنبؤ بأنه ستكون فرصة أخرى للتعويض أو قبول الأعمال في عام تال.
وهناك عروض أخرى يقدمها لك مروجو تلك الأعمال الترفيهية كي تقضي وقتك مفتوح العينين مسلوب الإرادة، ممسكاً بمحول التلفاز تنقضي من عمرك ساعة تلو ساعة وأنت مفرط في طاعة أو بعيد عن دعاء أو مؤجل لموعد صلاة لتجد نفسك نائماً متغافلاً عن سنة السحور وفريضة صلاة الفجر مضيعاً لساعات يقبل ربك فيها الدعاء ويمحو فيها الذنوب ويمتلئ بها رصيدك مجدداً.
عرضان للمكسب والخسارة فرق بينهما جيداً فمن غير المعقول أن تستقبل شهراً واحداً في العام تعلم جيداً أنه فرصتك الكبرى لربح الحسنات بأعمال تلهيك مسلسلات وبرامج وأغنيات وأفلام يقال لك إنها تعرض لأول مرة وانت تعرف أنها ليست آخر مرة صومك وصلاتك وتعبدك هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن يعود هو لأول وآخر مرة هو الذي لا يمكن أن يسجل ثم يعاد عرضه سيعاد عرضه فقط وانت بين يدي ربك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، تمسك بأن يكون قلبك سليماً.
أمامك عام كامل أحد عشر شهراً تشاهد يومياً آلاف المقاطع والمسلسلات والبرامج كم مرة غبت عن صلاة الفجر كم مرة ناجيت خالقك والناس نيام كم مرة تحججت ببرد أو حر أو موضوع يشغل بالك عن الصلاة والتعبد أتاك شهر واحد ساعاته تطوى ببالغ السرعة اقتنى منها أغلاها وتمسك جيداً، بأن تكون أحد الفائزين بالقبول فيها ولا تكن من المحرومين، المحرومون ليسوا فقط من يصيبهم العوز، المحرومون هم من تقسى قلوبهم على الصلاة والصيام والقيام والطاعات والتقرب إلى خالقهم بكل وسيلة، المحروم هو من وضعت أمامه ألوان الطعام والشراب وهو يحدق بعينيه أمام شاشة هاتف أو تلفاز ويمر وقت الصلاة ويناديه المؤذن فيرد انتظر حتى ينتهي مسلسل أو مسابقة أو أغنية، المحروم هو من حرم رضا خالقه وقبول أعماله فقد تكون مذكيا وبارا وعطوفا ومع ذلك مقصرا في صلاة أو ظالما لنفسك بأي طريقة أو وسيلة.
أيام معدودات تحمل كنزاً كبيراً خذ منه قدر الإمكان ما يبقيك بأمان باقي أوقات العام. الصيام ليس معناه الانقطاع عن الطعام والشراب نهاراً فقط، الصيام هو صيام الجوارح جميعها عما حرم الله وان جاءتك متجملة.
انظر حولك في أي مكان لا تجد إلا إعلاناً عن مسلسل أو برنامج يعرض في أوقات الصلاة واحداً تلو الآخر، ان كنت غير قادر على فواته سجله لتشاهده في أوقات أخرى فقط تمسك بأوقات صلاتك وفروض طاعاتك كي تكون من الفائزين غير النادمين المحرومين.
كن قدوة لأهل بيتك من إخوة أو والدين أو زوجة وأولاد بادر بالصلاة في وقتها، وان كانت ستقطع عنك لحظات تظن أنها سعيدة يملؤها الضحك واللهو يوماً فيوم سيرون أنك على حق، حدث الجميع عن أن هذه الأوقات تشترى فيها السعادة بثمن زهيد فالسعادة في رمضان هي الاستثمار في الطاعات وليس في التفريط والجري وراء الضحكات الآنية واللحظات البسيطة السعادة في رضا النفس وفي تأدية الواجبات وإكرام الضيف الذي أتاك بعد غياب.
ميز جيداً بين عرض يبقيك في مكانك وعرض يرفع درجاتك، بين ضيف يأتيك كل يوم حتى لو أجلت مقابلته وضيف كبير النفس عزيز المقام كريم الأصل لا يأتي إلا مرة واحدة، يحب أن يراك متطهراً جميل القلب صافي العينين نقي السريرة صائماً قائماً عطوفاً مذكياً فعامله بما يحب واستقبله بما هو أهل له كي تكون من المقبولين لدى رب العالمين.