عبدالمحسن بن علي المطلق
وأنت بين أروقة هذا الشهر سائر.. إلا وتشاهد لقطات تؤلم من بعضهم، ممن نفسه (فوق أنفه)، ما أن تنبس له ببنت شفة إلا ويا كافي أفرط في ... بحجة أنه صائم، فهل عليك من حرج إن ذكرته بـ/يالحبيب كلنا صائمون وإن لم يفق، فحبذا تنبيهه بحديث (.. ليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه) عساه أن يمتثل أدب الصوم، لأنه (.. جنّة) وإن لم يرتدع، فما عليك إن تلوت الآية {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} ! وهذا بالمناسبة ما صنع رسولنا صلى الله عليه وسلم حين طرقه وفاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلة، فقال لهم: ألا تُصَلُّونَ، قالَ عَلِيٌّ: فقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّما أنْفُسُنَا بيَدِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ أنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَقُلتُ ذلكَ، ولَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ شيئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وهو مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ ويقولُ: {وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} (الكهف: 54)- البخاري-، وهذا للعلم من باب تحريض النبي إلى قيام الليل.
المهم..
فلعله يعي مواضع زللـه ويتدارك ذاته مخافة أن لا يُقبل منه الصيام على الوجه الأتم، مما لا يكون له منه سوى (الجوع والعطش)..! وقل له في نفسه قولاً بليغاً أن الصيام (وربما غرضه الرئيس)، والأسمى/ تهذيب هذه النفس والأخذ بها إلى خلاف ما أترفت فيه، وكذا مشاركتها ما يحس به فئام من إخوانه المسلمين ممن يتضوّرون جوعاً، وربما جُمع لهم معه لا مأمن -مسكن- لهم، ولا...! فبعد أن يحمد الله وهو يصوم، يستحضر أولئك فيخرج مما أفاء به الله عليه، ولا أعني نصيبهم الشرعي منه (الزكاة) فهذه فرض ليس له فيها ابتداء خياراً ولكن يتطوّع (هو خير له) يدّخر عند ربه في يوم {لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا} عدا أنه تدريب لهذه النفس التي أحضرت الشح من خلال تعويدها تلك الخلال العالية.
أمل وكل من يقرأ هذه السطور أن نعي ونتدبر حِكم الصيام، بالذات تلك المتناولة باليد، أقصد الفهم فنكون ونحن صائمون يملأنا السرور والاستبشار، ومن قبل مغتبطين بأمل قبول عبادتنا عند ربنا، بالذات ونحن ينتظرنا فرحة آنية (عند الإفطار)، وفرحة هي أكبر عند لقاء الله نرجوها (هي خير مما يصنعون) ثم حسب ما لأهل الصيام من مقام المقام باب بالجنة خاص بهم، فإذا دخلوه أُغلق وراءهم، فلا يدخله سواهم (كما أخبر الحديث)، وللعلم فهذا لأهل التطوع وليس لأهل صوّام رمضان (فرض) كأحد أركان ديننا، فلا ينازع بهذه المسلّمة مسلم، وهل يقوم البيت إذا تهاوى أحد أركانه؟! إلا فلنستعصم بالأركان إن تثآبنا عن السنن، من طريق إتقانها - على الأقل-، فإنه (الركن) إن خانتك أركان ولنبدي به بشائرنا.. فرحاً واحتفاءً وأنساً، حدّ أن من الصالحين ما تراه أن لم يبك تباكى، إن أزف توديع الشهر العظيم الكريم المبارك، أو أزلفت خطى ركائب الرحيل.
ولا غرو، ألم يرد في نصوص (وان ضعف جلّها) لكنها تتعاضد بـ(التبشير) بمقدمه، فكذلك الشأن وأثقال الوداع تحلّ.. مما يقع في داخلنا ما لا تخفيه المشاعر، على نحو ما تجده في إحياء ليله بالقيام وجهاً معزًزاً لجماله، وأزيدكم أنه من ليلة العيد (إذا علمنا بهلال شوال) وأنت تلفى بيوت الله بعيد فريضة العشاء تُغلق، وما تحسّ به ببعض انقباض، وكأنه إشارة وافية على ذهاب جلال تلك الأيام، وانصرام لياليها الجميلة أعيد ببعض التعذير، ومن ثم ما جعل ديننا من التذكير أحد سماته الجليلة المطلب أن/ هل نحن غائب عنا تلكم المعاني أم تغيّب بفعل زخم الدنيا والأثقال.. ولن أقول الاصرّ التي من غير شر تحملنا بعضها بغير اختيار، إلا ما شاء الله، من يوم تحولت بعض كماليات «عصرنا» ضروريات وملازم، و..، فاللّهم ارحم حالنا.
ختم..
ولأن المرء جبلّة اعتاد أن يأخذ ثمن جهد بذله، فـ(الناجح يرفع يده)، لكي يعطى هدية النجاح والحالة هذه مع الصائم أيضاً.. فهو حين يفرح عند إفطاره، ينتظر الفرحة الأخرى المؤجلة - له- ليوم يقوم الأشهاد، أي هناك في أحلك ما يكون لانتظار مثوبة ما صنع، كما والأولى- فرحة - في دنيانا معجّلة حين يفطر يستخفّ بالفرحتين إلا المفرّط!
والسؤال لذاك الفصيل: هل- بربكم- من ناوش العباد، أو أزفر لهم حتى.. مما يكابد من صيامه، هي ممن ادخرت لذاتها الفرحتين؟ حقيقة أشك! لأن الله قال {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ..} ولاحظ أن تعريف الإحسان «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك»، المقصد أن تخجل - على الأقل - ممن لا تخفى عليه خافية رزقني الله وإياكم (مع) اطراح الأمل الأقدام بحُسن العمل.