د.عبدالرحيم محمود جاموس
في أتون الانتفاضة المجيدة وفي السادس عشر من نيسان - أبريل للعام ألف وتسعمائة وثمانية وثمانين، تمكنت وحدة من وحدات الإرهاب الصهيوني من الوصول إلى منزل الشهيد القائد خليل الوزير أبو جهاد في تونس في إطار عملية إرهابية معقدة ومركبة ومتشعبة الخيوط، قامت باقتحام منزله بعد اشتباك مع الحرس لتدخل إلى داخل المنزل وتشتبك مع الشهيد مباشرة وجهاً لوجه إلى أن ارتقى إلى الرفيق الأعلى شهيداً مضرجاً بدمائه الزكية بعد مقاومة باسلة منه للقتلة فأفرغوا في جسده أكثر من مئة رصاصة من رصاص الغل والحقد المتراكم في قلوبهم على الشهيد البطل الذي يعد بحق وحقيقة أول الرصاص وأول الحجارة، وصانع فجر جديد لشعبنا الفلسطيني مع إخوانه ورفاقه الميامين وصانع ثورة بعزيمة لا تلين مستمرة جيلاً بعد جيل حتى النصر المبين.
كانت العصابات الصهيونية تظن أن اغتياله سينهي الانتفاضة المجيدة وسيطفئ لهيبها، وسيقضي على حركة فتح وعلى الثورة الفلسطينية، لكن النتيجة كانت عكس هذا الوهم فتصاعدت الانتفاضة موجة وراء موجة تقض مضاجع المحتل وتكشف بؤسه وخيبة أمله وتعرّي جرائمه أمام العالم الذي حيَّا شعبنا وانتفاضته وترددت أصداؤها في كل أرجاء العالم.
نعم، لقد آلمنا رحيل القائد أبو جهاد وكان ضربة مؤلمة للحركة الوطنية الفلسطينية لما يمثّله في مسيرتها منذ النشأة والتأسيس والانطلاقة في الأول من يناير للعام ألف وتسعمائة وخمسة وستين إلى أن التحق بمن سبقه من شهداء المسيرة من رفاقه وإخوانه أبو علي إياد وعبدالفتاح عيسى حمود وأبو صبري وكمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار والحج حسن وجواد أبو الشعر وسعد صايل وأبو حسن ومروان وحمدي والقائمة الطويلة من الشهداء الأبرار، فقد كان شهيدنا أبو جهاد ثورة في حد ذاته ومدرسة ومعلماً لكل الثوار، وعلماً من أعلام حركة التحرّر الوطني العالمية على امتداد مساحة النضال التحرري من الاستعمار والصهيونية والعنصرية. رغم ألمِ الرحيل والفراق المبكر للقائد الرمز أبو جهاد إلا أن أثره باق فينا وفي الأجيال اللاحقة حتى تتحقق الأهداف الوطنية التي نذر الشهيد نفسه لأجلها.
إن الشهيد القائد أبو جهاد كان ثائراً وفارساً من فرسان فلسطين الحقيقيين في تاريخها الحديث الذين آمنوا بفلسطين ونذروا أنفسهم فداءً لها.
لقد كان رائداً من رواد فلسطين العظام الذين تركوا خلفهم تاريخاً وإرثاً نضالياً مشرِّفاً، فحق له أن يكون رمزاً من رموز الثورة الفلسطينية.
لقد حمل الشهيد أبو جهاد إلى جانب إخوته الشهداء منهم، والأحياء، كل أعباء مرحلة التأسيس لثورتنا المعاصرة رغم شح الإمكانات وتعقد الظروف المحلية والإقليمية، فكانت أفعالهم خير شاهد على إيمانهم بفلسطين وبحتمية النصر.
أبو جهاد كان أخًا مُحبًّا لجميع إخوته الرجال الذين لم يبدلوا تبديلا، وكان أيضاً أول الرصاص وأول الحجارة، فكان رجلاً متزناً مفكراً ومخططاً وقائداً، حافظ على بوصلة البندقية باتجاه العدو فقط، سبّاقاً لتعزيز الوحدة الوطنية، آمن بأن أبناء الوطن على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم خُلقوا من أجل فلسطين وتحريرها والعودة إليها والعيش في كنف الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
أبو جهاد سيبقى النموذج في الانتماء والقيادة والتخطيط والتضحية لكل الأجيال من بعده.
رحم الله الشهيد القائد أمير الشهداء أبو جهاد وجميع شهداء شعبنا وأمتنا الذين قضوا على درب الثورة والعزة والتحرير.