إبراهيم بن جلال فضلون
عودة قنبلة ناجازاكي وهوروشيما كبرميل بارود «القنبلة الاجتماعية»، المعبرة عن الوضع المُرشح للانفجار بقوة «نووية» جراء تهور النظام الإيراني بصفقاتها، وهو مصطلح تستخدمه المُقاومة الإيرانية في تحليلها للظروف الاجتماعية السياسية على حساب الوضع الاقتصادي، ليكون وقودها (شُعلة في الهشيم)، لظروف مواتية لثورة تشتعل نارها من انتفاضة اجتماعية عظيمة، سهامها مناطقي دولي، بدليل أن انتفاضات 2009 و2017 و2019 كانت أضخم انفجارات من هذا البركان العظيم الآتي من قلب قاعدة مُهمشة لم تجد مكاناً لها سوى ما هي فيه من موت، آلامُه نظام فاسد وثورة خمينية فاشلة، تبيع الوطن بشعبه، ليبقي قوته الذي جاء في «إطار» و»برنامج»، صفقة بيع النفط لرُبع قرن للصين في تعاون «إستراتيجي شامل» ألهب العالم الافتراضي من امتعاض الشعب الإيراني الذي أطلق هاشتاق #بائعي_الوطن.. وعدها المُنتقدون والخبراء تكراراً لنُسخة من معاهدة «تركمانجاي» التي وقعت بين إيران وروسيا في النصف الأول من ق 19، تنازلت بموجبها إيران عن إقليمي (إيروان ونخجوان)، شمال غربي البلاد، فضلاً عن امتيازات جمركية واقتصادية داخل البلاد توصف بأنها من «أسوأ» أحداث التاريخ المعاصر الإيراني.. وكأنه صك قبول للاستعمار من قطبي الشرق (حلف وارسو) والغرب (الناتو)، قبل أربعين عاماً تحت شعار ينافيه شعار صحيفة «جوان»، الناطقة باسم «الحرس الثوري» «لا شرقية ولا غربية... جمهورية إسلامية».
إن لإيران وجهين قبيحين، أحدهما سلوكها «كدولة قومية» بالمعنى اللاحقوقي واللاقانوني، لتتصرف كخلافة أو سلطنة على الطريقة العثمانية التي فشل مسارها منذ تولي قردوغان، وكأنها تعود لنموذج الدول ما قبل الوطنية، فلا تكتفي بتخطي حدود الدول، بل وتجند أتباعًا وترسل مستشارين ومقاتلين وأسلحة وعتادًا، تُنفق عليهم من دماء الشعب الإيراني البالغ عددهم أكثر من 83 مليون نسمة 2019م، وصل عدد المهمشين فيها 60 مليون نسمة، وبذلك تُصبح الغالبية العظمى فريسة سهلة يُطبقُ عليها وباء كورونا بكل أريحية في مساحات إيران الملوثة بكل مكان ومجال، فهل تدرك الحكومة عواقب تقصيرها؟.
لعل العنوان العريض الآن الذي يكشف النظام الإيراني ليس استنجادها بالصين ولا روسيا لدعم موقفها في المنطقة وضد العقوبات الأمريكية، بل لإنقاذها من هوة داخلية، تفتك بـ 60 مليون رغم أن ثروة مرشده خامنئي تُقدر بـ200 مليار دولار.. في حين تُدير إيران خمس حروب، العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن.. ليكون الاتفاق الصيني الإيراني (وجهًا حقيقيًا) هو أن طهران في ورطة، لتحديها الإدارة الأمريكية التي لم تتحرك للآن تجاه إيران وتجعلها مُتواطئة من تحت الطاولات مع إرهابها الدولي.. فهل تقلق أميركا من نجاح طهران في توقيع اتفاقية تعاون إستراتيجي مع بكين؟!!. وحتى لا يبكي العالم ما حصده من الدمار الشرق أوسطي في بلداننا العربية.. لذلك لابد من مواصلة الضغوط القصوى والعمل الاستخباراتي والاقتصادي مع الحلفاء بالمنطقة، حتى تُجبر النظام الإيراني في معركة عضّ الأصابع على المثول الذليل كونها منطقة دم ودمار، لا منطقة بيع وحروب بالوكالة.
لقد أيد البيع، خامنئي في قوله: «إيران، حكومة وشعباً، تسعى كما فعلت على الدوام إلى توسيع علاقاتها مع الدول المستقلة الموثوق بها كالصين»، معتبراً أن المشروع «صائب حكيم تماماً»، ليوافقه وزير الخارجية جواد ظريف، أن الصين «صديقة الأوقات الصعبة». وعبر عنها رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، في تغريدته عبر «تويتر» إن «توقيع الاتفاقية يعد عنصراً مهماً في تنامي القوة، في إطار إستراتيجية التوجه إلى آسيا وآسيا الوسطى للوصول إلى مقاربة متوازنة تتمحور حول الاقتصاد في السياسة الخارجية»، أما منصور حقيقت، مستشار لاريجاني رئيس البرلمان السابق، فقد رأى أن «المرشد الإيراني هو مهندس هذه الوثيقة» ووصفها بـ»مسمار في نعش العقوبات الأميركية - الأوروبية». أما أمير عبد اللهيان، نائب رئيس البرلمان للشؤون الدولية الدبلوماسي المحسوب على «فيلق القدس»، فقد رآها «حكمة وبصيرة» خامنئي..
إنها خارطة تُمهد الطريق أمام تدفق مليارات الدولارات عبر استثمار صيني داخل إيران، قدرتها وسائل إعلام بـ400 مليار دولار.. ولا ننسى أن الصين تتصدر قائمة الشركاء التجاريين لإيران، بحجم تبادل تجاري بلغ 19 مليار دولار من السلع غير النفطية خلال العام الماضي، ليكون مجموع الصادرات والواردات الإيرانية يكون قد بلغ خلال العام الماضي 20 مارس الحالي) 145 مليوناً و700 ألف طن، بقيمة 73 مليار دولار، ووصل حجم الصادرات الإيرانية إلى 112 مليوناً و293 ألف طن، بقيمة 34 ملياراً و526 مليون دولار. وفي المقابل وصلت صادرات إيران إلى 26 مليوناً و600 ألف طن، بقيمة 8 مليارات و900 مليون دولار، إلى الصين. في حين وصل استيراد السلع من الصين إلى 3 ملايين و500 ألف طن، بقيمة 9 مليارات و700 مليون دولار. لتُشكل التجارة مع الصين 10.6 % من حجم الصادرات، و25.3 % من حجم السلع المستوردة للبلاد.
صفقة ربع القرن، قد تقلب ترتيبات المنطقة، التي رست عليها بعد الحرب العالمية الثانية، وتجهل هناك توازنات جديدة، يجهلها القادم، بعد أن نُشرت الـ18 صفحة السرية في الإعلام الأميركي، كاشفاً عن اتفاق عميق جداً، فضلاً عن زحف التنين الصيني بهدوء إلى المنطقة. فجعل من باكستان أكبر شريك وسوق لها. ووصلت طلائع جيشه إلى خليج عدن، حيث بنى قاعدة عسكرية في جيبوتي لحماية خطوطه البحرية إلى أفريقيا.
ولم يفت علينا أن نلحظ حرص وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، الذي خصَّ السعودية بزيارة قبل الإعلان، وأعطى حديثاً لقناة العربية كشف فيه عن مبادرة «سلام» صينية خاصة بدول الخليج وإيران، تقوم على اقتراحات خمسة كحماية الممرات البحرية ومنع الاعتداءات في الخليج. مما يعني أنَّ الصين ليست مهتمة بوقف التوغل الإيراني في العراق وسوريا ولبنان ويُحقق الضغوط المطلوبة على خصومها الغربيين.
وأخيراً: لا يجب أن تضع إيران كل البيض في سلة الاتفاق النووي وحجر اتفاقيات واهية، وإلا ستهلك كما هلك من قبلها من أُمم.