إبراهيم بن جلال فضلون
«رمضان جانا.. وفِرِحْنَا بُهْ.. بعد غيابه.. وبَقَالُه زمان..
غَنُّوا وقولوا.. شهر بِطُولُهْ.. غَنُّوا وقولوا.. أهلاً رمضان..
رمضان جاااانا.. أهلاً رمضان.. قولوا معاااانا.. أهلاً رمضان..
عندما يتسلل صوت مُحمد عبدالمطلب إلى أذاننا، شادياً بها كنشيد وطني، مرَّ عليها أكثر من ستين عامًا، ولم تنجح أغنيةٌ أخرى في زحزحتها عن عرش «الأغنيات الرمضانية»، حتى صارت مُنذ بثها في بداية الخمسينيات لليوم، أيقونةً لقدوم شهر كريم.. حتى أغنية المُلحن والمُطرب أحمد عبدالقادر «وحوي يا وحوي إيِّوحا» بالإذاعة المصرية، (تعني بلُغةِ المصريون القدماء كانوا يقولونها عند رؤيتهم للهلال: أهلاً بالقمر الجديد)، حيث رفضت الإذاعة أن يقوم بغنائها عبدالقادر لأن لوائحها تقتضي ألا يُغني مطرب واحد أُغنيتين، فأعطاها لعبدالمُطلب مُقابل 6 جنيهات كان في حاجة لها، وهي من كلمات الشاعر حسين طنطاوي وألحان الموسيقار محمود الشريف.
والطريف أن الأغنية لم يكن سيُغنيها عبدالمُطلب، فقد جاءت معه مُصادفة ما أحلاها، لتكون أنشودة هي من أبرز أغاني رمضان وأكثرها شهرة، وكأنها ملازمة لحلول شهر الخيرات، تبثُ في النفوس فرحة وبهجة، وشعور جمع الأجيال المتعاقبة عبر الكثير من المظاهر المُرتبطة به، والتي تسكن وجدان وذاكرة الحياة.. التي كُنا للآن نحلُمُ بها، ونحنُ صغار صانعين لقدومه «زينة رمضان من فوانيس وشرائط ورقية ملوَّنَة « في مُتعةً ما بعدها متعةٍ، وتعليقها بين شرفات البيوت في صفوفٍ متتاليةٍ، لتَصْنَعَ لوحةً من البهجةً لشوارعنا، تُرفرف في صوتٍ مُميز فريدٍ بين نسمات رمضانية - لا تُفارق أسماعنا حتى اليوم - ولم تلك الليالي التي لم يكن ينقطع فيها لعب كرة القدم - «الدورات الرمضانية» - حتى آخر ليلةٍ في رمضان قبل صلاة عيد الفطر، وغيرهما من الحياة الجميلة قبل أن يُشوهها زمن الفانوس الصيني البلاستيكي والتقنيات العصرية لجميع مناحي حياتنا المُعاصرة، حتى صرنا أُمةٌ بلا حاضرَ نفتخر به كما نفتخر بماضينا، بلا ملامحَ تدُلنا على طريقه..
لم نعلم أن التكنولوجيا قد تُرهقُنا وتُباعد بيننا رغم أنها وسيلة تواصل، ولها إيجابياتها، فأتذكر أنني كنت أجلس مع أسرتي مُجتمعين حول مائدة الإفطار، وكم كُنا سُعداء للعزائم وإقامة الولائم والسهر مع فوازير وبرامج كانت ثرية وهادفة عبر محطة البرنامج العام، لكننا اليوم في اختبار وتحدي كبير ليس لأنفسنا فحسب، بل لبشريتنا وبقائنا فيه. ولم تألوا الحكومات ولا حكومتنا الرشيدة جهداً عن استباق ذلك الوباء الذي ضرب بنا رمضانين كاملين لا ننساهما، في ظل ظروف استثنائية جعلت من الإجراءات والتدابير الصحية طوقاً يأمن حياتنا، مُمسكاً بزمام الأمور ولمن يعبث بها وبحياتنا، فجعلنا بها أسرة قوية رغم التباعد، ولم يُقصر خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وخط الدفاع الأول (الصحة والأمن)، والمُجتمع الواعي لما يُحاك من حوله صحياً وأمنياً، فكانت اللقاحات سباقة لنا مواطنين ومُقيمين.. فلنتباعد ونتخذ الخطوة ونبادر بها، ولا يفوتني هنا التوجه بأمر قد يكون هاماً في رأيي، وهو أن كثيراً من تأشيرات الزيارات العائلية بيننا، وهم من أهلنا، ومُؤثرين في صحتنا العامة، فلماذا لا يكون لهم اللقاح عبر تطبيقي (توكلنا وصحتي)؟!! ليزدان الافتخار بهما كمالاً بتلك الخطوة الإنسانية، بمملكة هي وجهة العالمين كونها قبلة المسلمين.. بل وإن موافقة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- على إقامة صلاة التراويح في الحرمين الشريفين وتخفيفها إلى خمس تسليمات مع استمرار الإجراءات التنظيمية والاحترازية التي أعدتها رئاسة شؤون الحرمين والجهات المعنية في خدمة ضيوف الرحمن خلال شهر رمضان المبارك.
فرمضان موسم الصفاء الروحي، والإشراق القلبي، والنور والرحمة والإيثار، والجود والسخاء، يَقْوى فيه بين الناس التراحمُ والتعاطف، والتآخي والتآزر؛ لكن بلا ضرر لأحد، فكُن مسؤولاً، فكُلُنا مسؤول عن رعيته.. ولنتواصل عبر ما صنعناه من تقنيات، ولنتراحم بالخير لا الضرر لأحبائنا، فما أقسى فراق الحبيب.. فالغفلة ضيعتنا، فلماذا لا نفر لرمضان مُهرولين إليه وقلوبنا تطفح بالهيام؟!.. داعين غير ناسين جميع المسلمين ورجالنا من (الصحة - القوات المسلحة - الجيش - وزارة الداخلية - الحرس الوطني - الاستخبارات)، وكل من حرس وعمل وصان هذا الوطن الغالي وسهر الليل، ونحن نيام مطمئنين في بلاد الحرمين... وطنُ الأمن والأمان.... (رمضااااان جاااانا.. حلوا يا حالوا).