قبل أيام كنت في طريقي إلى المنزل مستمعاً إلى إحدى الإذاعات، فجأة ظهر إعلان بتخصيص ساعة لأغاني كورية! فتساءلت في نفسي ما هذا الاكتساح وكيف وصل الكوريون إلينا؟ فبدأت أربط الأشياء وتذكّرت الدراما الكورية التي انتشرت في قنوات التلفزيون والطلب الذي أصبح عليها كبيراً من المشاهدين والتي بدأت تغلب اكتساح المسلسلات التركية لقنواتنا والتي أثرت بالعالم العربي وبسببها اكتظ العرب للسياحة في تركيا في تلك الفترة.
الآن هو زمن انتشار الكوريون فقد كان الحضور الباهر واللافت لفرقة BTS الكورية في موسم الرياض رهيباً! وقبل عدة أيام نشر معالي المستشار تركي آل الشيخ تغريدة عن حفلة لفرقة كورية غنائية، حيث تجاوز التفاعل لأكثر مم 40 مليوناً!
لماذا هذا النجاح الفني للكوريين؟ وكيف وصل التأثير في شبابنا رغم الاختلاف الشاسع بيننا وبين الكوريين في كل شيء؟
هنا نعود إلى فترة الستينات الميلادية وتأثرنا بالثقافة المصرية التي أثرت بنا سينمائياً وغنائياً وأدبياً، التأثير وصل في طريقة الحديث، العمران، الملبس وقصات الشعر، نرى هذا حينما نشاهد صورة لأحد الشباب السعوديين في الستينات نجدها تذكرنا بنجوم السينما والغناء في الستينات في مصر أمثال عمر الشريف، شكري سرحان، عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش، كما نشاهد بعض البنيان القديمة والتي ما زالت الباقية في وسط الرياض تشبه للتصاميم العمرانية المصرية في البلكونات وغيرها.
أما في فترة السبعينات الميلادية اختلف الوضع قليلاً وبدأ التأثر بالغرب أكثر خصوصاً الأميركان وذلك لانفتاح البعثات إلى أميركا ودخول الأعمال الأميركية مثل أفلام «الويسترن» في التلفزيون السعودي وانتشار موسيقى «الديسكو» و»الروك» وكان الأبرز في التأثير الفنان «ألفيس برسلي» وموجة «الهيبيز»، هنا بدأ الشباب يلبسون بنطال «الشارلستون» و»الزلف الطويل» والشوارب الطويلة والشعر الطويل.
الحديث والتحليل والقراءة في هذا الجانب يطول ولكن في الختام، بالفن نسمو وبالفن نرقى وبالفن نؤثر ونصل.
أتمنى أن ننشر ثقافتنا وهويتنا «بالفن الحقيقي» وليس بالدعايات والإعلانات. كتفعيل هيئات وزارة الثقافة الموسيقية والسينمائية والأدبية تفعيل حقيقي وتسهيل كل ما يمكن بدعم الشباب والرواد في نتاجاتهم الثقافية والأدبية والفنية بشكل أكبر لكي نرى نتاج ضخم واضح للعيان، وكذلك تفعيل الملحقيات الثقافية السعودية في دول العشرين على الأقل، بأن تكون هناك معارض سعودية على مدار العام مفتوحة للزوار ننشر فيها ثقافتنا من موسيقى وشعر وفنون تشكيلية وأدب وحتى أعمال روادنا المرئية المتواضعة وجيل الشباب الجديد. أتمنى أيضاً ترجمة كتب شعرائنا وأدبائنا الراحلون بعدة لغات كالأديب عبدالله نور والشاعر محمد الثبيتي وغيرهم الكثير ونشرها في مكتبات العالم.
المسرح والسينما والموسيقى والأدب هي لغة الشعوب وهي أقوى بتأثيرها من قنبلة نووية!
** **
عبدالعزيز سعد الفريح - مخرج وناقد سينمائي