يا غائبًا في الثرى تبلى محاسنه
الله يِوُليك غفرانًا وإحسانا
قبل عقدَين من الزمن عزيناه في رحيل والده الحبيب الشيخ سعد، الذي لاقى وجه ربه صباح يوم الاثنين 15-6-1419هـ، واليوم صبيحة يوم الجمعة 27-8-1442هـ نواسي أبناءه وإخوته ومحبيه في رحيله العاجل -رحمه الله-. وهذه سُنة الله في خلقه على تتابع الأجيال إلى أن يرث الله جميع خلقه ليوم الحساب. وكان لرحيله المفاجئ بالغ الحزن والأسى في نفوس والدته وإخوته وأخواته وأبنائه وبناته وعقيلتيه، بل جميع أسرته ومحبيه -تغمده المولى بواسع رحمته ومغفرته-.
وقد أطل على الدنيا مَولُودًا في 1-7-1380هـ في مدينة الرياض، وهو الابن الأكبر لوالديه، وقد عاش بين أحضانهما وبين إخوته في أجواء فرح ومسرات. ويُقال إنه قد تأثر وحزن على فقد أخته نورة التي تبلغ من العمر خمس سنوات، وقد ساوره الحزن على غيابها عن ناظريه مدة طويلة.. فسمَّى ابنته الكبرى على اسمها تلذذًا بحضورها بين جوانحه. أما حياته الدراسية فقد أنهى المرحلة المتوسطة عام 1398هـ، وحصل على شهادة دورة اللغة الانجليزية بالقوات الجوية الملكية السعودية من 23-11-1399هـ إلى 23-2-1401هـ، ثم أتم دراسته بالمعهد الفني الذي يعادل الثانوية بتخصص: (فني معدات اتصالات سلكية) بتاريخ 24-8-1402هـ، وعمل في القوات المسلحة، وكان عمله رئيس رقباء في القوات الجوية، ثم تقاعد مُبكرًا. بعد ذلك رغب في العيش في ربوع حريملاء بمزرعة والده لإحياء ذكره، والإشراف على المزرعة الحافلة بأنواع النخيل والفسائل المتعددة.. وقد أوصى بأن يُوارى جثمانه بجانب والده بمقبرة (صفيه) ملتقى الراحلين:
مجاور قوم لا تزاور بينهم
ومن زارهم في دارهم زار همدا
وكان يسعد بإكرام الضيف، ثم يودعهم بإهدائهم من جيد التمور، وبعض الفواكه والخضراوات إن وُجدت، كما كان يساعد المحتاجين من الضعفة والمساكين، ويستقبل العاملين من جنسيات مختلفة في كل عام في شهر رمضان المبارك، وفي أي وقت، وكان واصلاً لرحمه، بارًّا بأحبائه الأحياء والأموات منهم.. وقد ساعد في بناء مسجد لوالده، كما أنه مُولع بحب الزراعة، ويشرف على صرام وجذاذ النخيل بنفسه، ثم يمنح بعض الأسر المحتاجة من جيد التمور ليسعد بالدعاء له ولوالديه، كما كان معنيًا بتربية المواشي، ويحرص على توفير الأضاحي لأقاربه وأحبته دومًا.. كما جهز لإفطار الصائمين في شهر رمضان 1442هـ، مع تأمين المُؤن الغذائية بأنواعها، وكل مستلزمات الإفطار من أشربة وتمور ولحوم لاستقبال الشهر الفضيل، نسأل الله له المغفرة والأجر الوفير جزاء ما قدمه. وكان بارًّا بوالدته حريصًا على رضائها، وقبل وفاته بيوم واحد أحضر مستلزمات الإفطار لها، فودعها مُقبّلاً رأسها ويديها، ثم انصرف محاولاً دفع عبرات عينيه، وبه ما به من لوعات الفراق الأبدي، ولسان حاله يردد معنى هذا البيت:
فلست بمالك عبرات عين
أبت بدموعها إلا انهمالا
ولقد خلف ذرية صالحة بررة مؤهلة من الأبناء: سعد وعبدالعزيز ومحمد، وخمس من البنات الفضليات المؤهلات تأهيلاً عاليًا. ولقد استفاد من سيرة والده الشيخ سعد المعطرة بالثناء والذكر الحسن، وبإيماءته له بأن لا ينسى أصدقاءه وأحبته:
نبادلهم الصداقة ما حيينا
وإن متنا سنورثها البنينا
ولنا معه ومع والده رفيق الطفولة والصِّبا ذكريات جميلة، لا يمحوها ماحٍ مدى العمر. وكنت أزور الأخ الكريم داود في مزرعته بحريملاء ما بين وقت وآخر، فنقوم بجولة داخل تلك الغروس والنخيل والأشجار الظليلة.. مُتذكرًا أيامنا الجميلة مع والده سعد، ومع جده الشيخ عبدالعزيز صديق والدنا العالم الجليل.. الذي كان إمامًا وخطيبًا بالجامع ومعلمًا لتعليم القرآن الكريم في بلد المشاش الواقع قرب محافظة ثادق - رحم الله الجميع -. وهذا يدل على اهتمام جلالة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - بسكان الأرياف والهجر بتبصير العامة بأمور دينهم، وتنوير صدورهم بحفظ كلام الله جّل جلاله.
لعمرك ما الأيام إلا معارة
فما اسطعت من معروفها فتزودِ
رحم الله الفقيد، وألهم والدته وأخيه الدكتور عبدالرحمن وإخوته وأخواته الكرام، وأبناءه وبناته وعقيلتيه الصبر والسلوان.
** **
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء