الهادي التليلي
سوفا غيت أو فضيحة الأريكة، هذه الحادثة التي زلزلت أركان الاتحاد الأوروبي والتي تجاوزت كونها خطأً بروتوكوليًا خلال اللقاء الذي انعقد مؤخرًا بأنقرة التركية لحلحلة الأزمات الديبلوماسية بين تركيا والاتحاد الأوروبي زادت الطين بلة وعمَّقت الفجوة، حيث رأى الملاحظون أنها مست هيبة الاتحاد الأوروبي وتفاصيلها التي صارت لا تخفى على أحد وتمثلت في لحظة الاجتماع بين طيب رجب أردوغان وممثلي الاتحاد الأوروبي شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي وارسولا فون ديرلاين رئيسة المفوضية الأوروبية لم يكن في القاعة سوى كرسيين رئيسيين فبقيت أرسولا واقفة مما حدا بها إلى النحنحة بصوت مسموع ليتم التدارك ووضع كرسي لها مقابلاً لوزير الخارجية التركي، وهو الأمر الذي رأى فيه المتابعون إهانة للمفوضية الأوروبية والاتحاد الأوروبي على حد سواء.
ميشيل وفوندرلاين الأول رئيس وزراء بلجيكا الأسبق والثانية وزيرة الدفاع الألمانية السابقة والسياسية المعروفة وإحدى زعامات الحزب الديمقراطي المسيحي وهما يشغلان منصبيهما منذ 2019 تعرضا لحرج كبير نتيجة الحادث البروتوكولي الذي عمق جراح العلاقة التركية الأوروبية، الحادثة التي رأى فيها الكثيرون امتدادًا لسياسة تركيا الجديدة في سياق انسحابها من اتفاقية إسطنبول بشأن العنف ضد المرأة خصوصًا أن فوندرلاين تعد من القامات النسائية العالمية، إذ هي أول امرأة شغلت منصبي وزارة الدفاع الألمانية ورئاسة المفوضية الأوروبية، كما ترجمها المعجبون بالخصام الحضاري بين المسلمين والمسيحيين بكونها تندرج في هذا السياق خصوصًا أن فوندرلاين تنتمي للحزب الديمقراطي المسيحي، في حين أجمع المراقبون على كونه يتعدى أن يكون خطأً بروتوكوليًا خاصة أن الإعداد له استغرق شهورًا عديدة، وهو ما ذهبت إليه إيرنكس غارسيا زعيمة التحالف الاشتراكي التقدمي، الانتقادات الأوروبية لم ترق للديبلوماسية التركية التي رأت في ذلك تجنيًا بما أن مطلوبات الاتحاد الأوروبي للجلسة تم تنفيذها حرفيًا، وفي الحقيقة نرى أن ما حصل لا يخرج عن الفنتازيا الأردوغانية في الظهور بمظهر المتنمر، وهو ما يراه الكثيرون، فلا مجال حسبهم للقول إن البروتوكل التركي لا يعلم بما أن التاريخ يكشف عكس ذلك في اجتماع بروكسال 2017 حيث جلس أردوغان للتفاوض مع الاتحاد الأوروبي جلس ممثلين للاتحاد في كرسيين مماثلين لأردوغان.
في لقاء تركيا مع وفد لاتحاد الأوروبي في قصر أنقرة الرئاسي تم تجهيز كرسيين على الطراز العثماني واحد لتركيا والآخر للاتحاد الأوروبي، وفي ذلك رسالة رمزية من أردوغان بأن تركيا تساوي الاتحاد الأوروبي وليس نصفه، وتلك أوفوريا عثمانية موغلة في التقوقع لأن تركيا العثمانية وصلت في مرحلة من المراحل إلى رقعة جغرافية أكبر من أوروبا.
أردوغان الذي كلما يئس من الغرب تحول عنه وقام بمشهد استعراضي تلوكه وسائل الإعلام لتغطية ما تتخبط فيه تركيا على جميع المستويات اختار الوقت المناسب ليحاسب ألمانيا من خلال ممثلتها في الاتحاد الأوروبي خاصة بعد الحملة الإعلامية التي شنتها الصحافة الألمانية وخاصة صحيفة فرنكفورت بخصوص ما اتهم به من جمع مساعدات مالية ضخمة وضخها في استثمارات عائلية في أمريكا، وذلك على لسان رئيس حزب الشعب الجمهوري الديمقراطي التركي كمال كيليكدار أوغلو الحملة الصحفية التي جاءت بعد تراجع شعبية أردوغان نتيجة آخر استطلاعات للرأي إلى 30 بالمائة الأمر الذي يهدد مستقبله الانتخابي وبالتالي رئاسته وهيمنة حزبه.
الاتحاد الأوروبي الذي ندد أعضاؤه بالتصرف الأرودوغاني الذي يرونه مقصودًا وغايته استعراضية، ملقين اللوم على شارل ميشيل الذي لم يتخذ موقفًا فوريًا يليق بـ27 دولة أوروبية يمثلها ولا بزميلته رئيسة المفوضية الأوروبية ويعد ردًا غير مباشر لعدم رغبة تركيا الحالية في التقارب مع الاتحاد الأوروبي التي لا تتفق مع الطموعات الأردوغانية القادمة.