عطية محمد عطية عقيلان
من الأساطير المتناقلة «حصان طروادة» الذي استطاع الإغريق ابتداع هذه الحيلة بصنع حصان خشبي ضخم، اختبأ فيه محاربون مع القائد أوديسيس، وأعطي للإغريقيين كهدية لانسحابهم من حصارهم، وتم قبوله وأدخل إلى طروادة، وتم احتلالها بعد خروجهم ليلا وفتح بوابات المدينة وسيطرتهم عليها وهم يحتفلون بالنصر، رغم امتناعها عشر سنوات عن احتلالها، وذهبت مثلا يقال عند الانخداع بالشكل الظاهري وجمال الشيء، ولكنه يحمل في داخله الأذى والضرر الكبير.
تذكرت هذا المثل «كحصان طروادة» عند اقتراب شهر رمضان المبارك وتهافت التجار والمحلات التجارية في تقديم العروض المغرية على المواد الغذائية والحلويات احتفالاً بشهر الصوم، والذي يمتنع عنه المسلم عن الأكل أكثر من 50% من اليوم مع تبقي ساعات النوم والعبادة، لتكون المحصلة قصيرة جدًا للساعات التي يسمح فيها بالإفطار، إلا أن إغراء هذه العروض والتخفيضات وتعدد أشكالها وأصنافها تجرنا إلى شرائها وتجربته وفي النهاية ندفع ثمنها ولا نتناول منه إلا اليسير، ويكون نهايتها إلى الحاويات في إسراف مذموم وإفراط نحاسب عليه من جحود للنعمة واستهتار بها، واستنزاف للموارد الطبيعية الشحيحة، حتى ولو تم أكلها تتحول إلى ضرر على صحتنا بالسمنة والتخمة، ومن ثم الأمراض وصعوبة الحركة مع تنافيها مع مقاصد الصوم وفوائده النفسية والصحية والروحية على الإنسان وتعزيزه لمبدأ الصوم عن الطعام والشراب بفوائده الجمة.
عزيزي القارئ.. تذكر أن الحصان الخشبي كان جميل الشكل وجذاباً وأبهر الطرواديين لقبوله كهدية ولكنه في داخله كان الشر العظيم والهلاك والنهاية لهم، تذكر ذلك عند ممارسة التسوق قبل شهر رمضان أو أثناء تمضية الأوقات قبل الإفطار، فالطوابير على الفوالين ومحلات الكبدة والحلويات والسمبوسة، ستستنفد وترهق صحتك ومالك، وتعلم الدرس من تجاربك الماضية في التسوق المبالغ فيه وانتهاء كثير من المواد قبل استهلاكها ورمي أكثر من نصف ما تم وضعه على المائدة، وغيرنا يتمنى كسرة الخبز، كذلك عزيزي صاحب الجمعات واللمات تأكد أن كثرة الطعام والشراب لا تدل على الكرم، بل تدل على الإسراف والسفه في شكر النعمة لتجنب زوالها، ولنطبق مقولة الخليفة المأمون «لا خير في الإسراف، ولا إسراف في الخير»، وليكن هذا الشهر تحولاً في عاداتنا بالبخل على النفس في الطعام والشراب والجود بممارسة الرياضة وصلة الرحم والكرم بالعطاء وإنفاق المال والجهد على تقوية الروابط الأسرية والتواصل مع أخذ الحذر من التجمعات الكبيرة حتى لا نقع في وباء فايروس كورونا، وأختم بالمثل الفرنسي الذي يقول «آفة الجود.. الإسراف».