خالد بن حمد المالك
هذا التردد في السياسة الأمريكية في تعاملها مع المفاعل النووي الإيراني، وظهور أمريكا كدولة ضعيفة أمام التعنت الإيراني، ليس له من تفسير عندي سوى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا زالت تتعامل في علاقاتها مع الجمهورية الإيرانية من منظور التباين في السياسات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وبالتالي تكون مواقف سيد البيت الأبيض متوافقة ومنسجمة مع ما يمليه عليه حزبه.
* *
وإلاّ فإن أفعال إيران كما هي أقوالها، تكيل لواشنطن أسوأ العبارات، وتصفها عادة بأنها الشيطان الأكبر، ولا تتوانى في ضرب مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وحيثما تكون هناك قوات لها في المنطقة، ومتى كانت يدها قادرة لأن تصل للإضرار بأمريكا في أي مكان بالعالم والدليل الشاهد على ذلك ما تفعله في العراق ضد القوات الأمريكية.
* *
وإذا كان هذا هو حال العلاقة الأمريكية - الإيرانية، بكل تبايناتها وتناقضاتها، وتوترها الدائم، فكيف لأمريكا في عهد الرئيس بايدن أن تقبل بأقل مما فعله الرئيس السابق ترامب في تعامله مع نظام إيران، وواشنطن تعرف أن إيران لا يؤمن جانبها، ولا يؤخذ بما تقوله على محمل الصدق، وأن ما توقع عليه من اتفاقيات لا تلتزم به، ولا تجد حرجاً في نكث عهودها، وأن ما يبطنه نظام الملالي غير ما يظهره، وهذه عقيدة راسخة لدى هذا النظام المجرم.
* *
على إن إيران لن يوقفها عن ممارسة الإرهاب ودعمه، ولن يردعها عن تدخلها السافر في الشؤون الداخلية للدول، ولن يكبح جماح تصرفاتها العدوانية الضالعة بها في كل مكان، غير القوة والحزم، والتعامل معها بأسلوب الردع، وبما يحفظ للدول والشعوب أمنها واستقرارها، ويحميها من الإرهاب الإيراني، ومن أي سلوك يعرضها للمزيد من التوتر، بسبب حماقات النظام الإيراني المتسلط.
* *
وكدليل على أن إيران لا ترعوي إلا بممارسة القوة معها، أنها شديدة الحذر في الرد على أي من الضربات الإسرائيلية الموجعة لها في العراق وسوريا، بل وفي العمق الإيراني، وفي أعماق البحار، رغم أن خسائرها تكون كبيرة، ورغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يتردد في الإعلان عن أن إسرائيل تقف وراء ضرب المصالح الإيرانية.
* *
غير أن الموقف الأمريكي المرن مع تصرفات إيران لا تفسير له غير ما ذكرناه، فالتردد الأمريكي، ومحاولة استرضاء إيران، وغض النظر عن حماقاتها، ومحاولة إقناعها لتكون جزءاً من العالم المتحضر، ولتنضوي مع الدول المحبة للسلام، كلها تذهب أدراج الرياح أمام عنادها وإصرارها على أن تكون دولة مؤذية، وصاحبة مشروع توسعي استيطاني في المنطقة، وتمريرها مذهب التشيّع في الأوساط الفقيرة والمؤدلجة في العالم، لتمكينها من إنجاح برنامجها البغيض.
* *
وعلى كل حال، فإن أي قرار يلغي العقوبات الأمريكية، أو حتى جزءاً منها، هو قرار خاطئ جداً، ويصب في مصلحة المشروع الإيراني النووي وغير النووي، وسوف يشجعها على التمادي في غطرستها، للقيام بأعمال شريرة، والشروع في تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية يمكنها من امتلاك القنبلة الذرية ذات يوم على غرار ما حدث في كوريا الشمالية، وحينئذٍ لن ينفع الندم، ولن يكون بمقدور العالم حفظ الأمن والسلام والاستقرار في منطقتنا وفي العالم.