عبده الأسمري
بين الثقافة والإنسانية ترابط وارتباط وتواءم يعكس النسبة والتناسب بين المفهومين الذين يشكلان دهرين من النماء أحدهما للثبات والآخر للتحول ويبقيان في دائرة التواصل والإلهام والتطور من عمق الوجود إلى أفق الصمود في منظومة تكاملية تستند على أساسيات من الشعور وأصول من المعاني..
في ميادين الشعر كان الإنسان محوراً أول للثقافة الشعورية بحس الآخرين وإحساس الغير من خلال رصد المعاناة أو صد المتاعب في نظم أبيات وقصائد ونصوص حضرت لتكون «العزاء» في حضرة «الغياب « و»العطاء» رغم غلبة «الألم «.. فكانت الإنسانية منبعاً جادت به منصات الأدب ونطقت به دفات «الكتب» وشهدت له صفحات التاريخ ..فكانت «التوأمة» حاضرة في لغة المشاعر وغنيمة الشعور.
خلال القرن الماضي وفي أوروبا ووسط عوالمها المشبعة بالتسلط والسلطوية والفوضوية جاءت «الروايات» الذائبة من جليد «التشرد» والسائلة من صقيع «التجرد» كانتصار حقيقي لأولئك «المشردين» و»المكلومين» و»التائهين» فحضرت عناوينها وتفاصيلها لتؤكد أن للنجاة فصول أخرى خارج سلطة «الرقيب» وان للانتصار ثغرات سرية بعيداً عن رقابة «السلطة « فكان الروائيون والروائيات حماة «إنسانية» بسيوف «الأقلام» وسفراء حق بوصوف «العدل».
انطلقت الثقافة في حضورها الزاهي بالعون والباهي بالغوث لتلبس جلباباً فضفاضاً من الإنسانية ارتدى اليقين فكان «الإنسان» عنواناً لكل تفاصيل الشعر والقصة والرواية والخاطرة وتماثلت آلام الموجوعين وأحزان المتعبين وأتعاب المتألمين صروحاً جذبت بوصلة «الأدب» إلى حيث مساحاتها الممتلئة بالأنين والمكتظة بالحنين وتمثلت في وسائل جذب أمام فكر «الأدباء» وغايات إنتاج حول بصر «المبدعين».
بين الثقافة والإنسانية جسور من التكامل تحت مظلة القيم فالإنسان كائن يميل إلى «حب الاستطلاع « والأدب منهج يرتكن إلى «عشق الإبداع» فتوازت «المعادلة» في فرضيات «مهمة» وتوازنت وسط افتراضات «ملهمة» تنشد البحث عن «عناصر» جديدة و»بشائر» مديدة في مدارات تنتظر العزف على «أوتار» التقييم للوصول إلى «ناتج» صحيح يقبل القسمة على «منتج» صائب.
تتناغم الثقافة مع الإنسانية في صور المعاناة وفي تصور المحاكاة من خلال المشاهد البصرية التي تنقل «الصورة « المرتبطة بالحقيقة فيستجد الأدب عبر الكتابة في نص ملهم أو خاطرة ناطقة أو قصة عابرة أو رواية حاضرة ليكون المنتج الأدبي «السلوان» المشفوع بالاطمئنان لرصد جانب خفي عن «الإنسان» رسمته «تداعيات» الحياة أو «استدعاءات» النجاة.
في سجلات الأدب يرتقي الإنسان من وجوده كضحية في المفهوم البشري العام ليشكل الشخصية الرئيسية أو «بطل « المنتج وبالتالي فإن هنالك «تكريم» يعكس احترام الإنسانية بوقع «الانتماء « وواقع «الانتساب» لهذه الدائرة من الكينونة المرتبطة بين الثقافة كمفهوم معرفي والشخص كعنصر متاح فتظهر الحتمية «المذهلة» بين اندماج الهواية مع الهوية.
عندما تذكر «الإنسانية» كمعنى له قيمته الكبرى في أبعاد المسؤولية واتجاهات التعريف فإن وجود الثقافة مطلب ملح وحتمي وضرورة لتحليل المفهوم في عناوين محددة وتفاصيل متجددة ينعكس على ضوءها التماثل الوجداني بين معطيات المفاهيم ومؤشرات النتائج.
حينما تطل «الإنسانية» ككيان من المعاني تندرج تحتها عشرات «التفاصيل» المتعمقة في جذور «الأصالة» الذي تشكل رديفاً لكل فعل يرتبط بالإنسان الخالي من التغيرات والسليم من التبدلات الموجود في قلب «البراءة» والمقيم في قالب «العفوية» بعيداً عن مصالح صنعتها الأنانية وغيرت بها مسار «الثبات» لتحل «لعنة» التغير والتبدل والتشتت والتأرجح لتهب «رياح» الشوائب فتشوه الوجه الحقيقي لهذا المفهوم.
الثقافة والإنسانية.. وفاء متبادل يقتضي توظيف المهارات والمواهب والخبرات في سبيل إنصاف الإنسان ومنحه بشائر «الاستيفاء» الكامل لشتى معاني الإحساس وكل غايات الحس في كل التجارب التي تشكل «المادة « الخام لصناعة أدب راقي وسامي يرسم «الخارطة الذهنية المعرفية» من بصائر الذات نحو مصائر الإثبات.