فيصل خالد الخديدي
الموهبة والإبداع هبة إلهية تصقل وتنمى بالممارسة والدربة والتعليم والتثقيف والتجريب وتندثر وتموت بالإهمال والاتكال والتسويف وكثرة الاعذار واصطناع العقبات والمحبطات وضعف التقدير، وتسكن وتخمل بالرضاء والبقاء في منطقة ابهارها الأولى وعدم الحراك والتنقل والتطوير والاكتشاف، فالمواهب الإبداعية عملة نادرة وثروة إنسانية تستحق الدعم والرعاية والاستثمار والمبدعون رهان الأمم وصناع حضاراتها ومصادر تميزها، وكثيرة هي المواهب والطاقات الإبداعية المهدرة التي غابت نتيجة إهمال وتراخٍ وعدم استعداد للتطوير من صاحب الموهبة ذاتها أو غيبت بفعل إحباط وقلة دعم وإهمال وتقديم الأقل أحقية وأقل موهبة عمن يستحق أن يكون في الصفوف الأمامية من المجال وأهله، كما أن الركون والسكون في منطقة الراحة وإن كانت مفيدة وناجحة لفترة إلا أنها مع التقدم تتقادم وتصبح هذه المنطقة المريحة محبطة ورتيبة ولا تثمر بكل ما تمتلكه الموهبة من طاقات وقدرات إبداعية تستحق الظهور بل ترضى بالحد الأدنى من طاقته الإبداعية، فلم يكن لشخص مثل (والاس جونسون ) أن يغير من حياته بعد أن تجاوز عمره الأربعين عاماً وهو يعمل أجيراً بمصنع صغير لولا أن تم الاستغناء عنه دون إنذار أو سابق علم ليجد نفسه بين يوم وليلة دون عمل ولا دخل وهو الذي يعول أسرته ولا يجيد في الحياة أي مهنة أخرى، لكنه استجمع قواه وأطلق العنان لطاقته الإبداعية الكامنة ومارس ما يجيد من أسس تصميم وبناء فقام برهن بيته وبناء منزلين صغيرين وباعهما وتم استرداد الرهن وأعجب المقاولون بعمله وبدأت العروض تنهال عليه وبعد خمسة أعوام من الاستغناء عنه من وظيفته أصبح جونسون متخصصاً فيما يجيد من بناء منازل وقرر بعد ما كسب من أموال كبيرة في هذا المجال أن يفتتح أول فندق له وأسماه (هوليدي إن ) الذي أصبح عالمياً وماركة شهيرة تنتشر سلسلتها في معظم دول العالم، وفي مقولة لجونسون يقول إنه لو يعلم الآن عنوان رئيسه في العمل الذي طرده من عمله لذهب إليه بنفسه وشكره شكراً عميقاً لأجل ما صنعه له، فقد كان هذا الرجل سبباً في اتخاذ الخطوة الأولى لكي أكون مليارديراً.
عديدة هي المراحل والنقاط المفصلية التي تمر على المبدع في مسيرته الإبداعية فمنهم من ينكسر ويبقى على أمجاد ما حققه وتحقق له سابقاً، ومنهم من ينتظر هذه النقطة المفصلية والمرحلة الانتقالية أن تأتيه ولو بالصدفة، وقلة من المبدعين من يصنع الفرصة ويسعى للتغيير بشكل ذكي ومدروس دون إخلال بإبداعه أو انتقاص من قدراته، بل يستثمرها بكل تفاصيلها ليصنع سلسلة متوالية من الإبداعات التي تعنيه وتلامسه وتقدمه بشكل مميز وإبداع حقيقي لا يشبه غيره ولا يقل إبهاراً عن ما يطمح إليه ويحقق المردود المستحق على كل المستويات، فالظروف السيئة والإحباطات لن تنتهي وطريق الإبداع لم يكن مبعداً ومحفوفاً بالورود، لكن الهمة والنهم والشغف لتحقيق الذات والوصول بالإبداع الذاتي لمنتهاه تزيل كل العقبات وتتجاوز كل المحبطات وتصنع من المر دواء ومن الظلام منصة ومنطلقاً للنور.