عبد العزيز الصقعبي
لدي حكاية، أقلقتني كثيراً وأبحث عمّن يستمع لها، لا أريد كتابتها، بل أريد أن أحكيها وأرى ردة فعل السامع لما أقول، سابقاً كانت الحكايات تحاصرني فاتجه إلى غرفتي الخاصة أتناول ورقة وقلماً، وأبدأ بالكتابة، وبعد ذلك عندما شرّف الحاسب الآلي، ووجدت نفسي أبوح لذلك الجهاز بكل ما بداخلي، عبر لوحة المفاتيح.
اليوم لا رغبة لي بالكتابة، وحقيقة لم أنم بشكل جيد لأن هنالك كلاماً كثيراً يحاصرني، كلمات تنشب حروفها في جسدي، الساعة الآن السابعة صباحاً، استيقظت باكراً، ليس كعادتي مطلقاً، ولكن لدي إحساس أن وجودي في هذا البيت وحيداً جعلني أفكر بالاستيقاظ باكراً، على الرغم أنني لم أنم بصورة جيدة، توجهت إلى مكتبتي المنزلية وجلست أتأمل حاسبي الشخصي وأكوام الورق، وكتب كثيرة في كل مكان على الأرفف، وأيضاً على الطاولة والأرض، فوضى الأوراق تحاصرني فأهرب إلى غرفة المعيشة، حيث أكون بعيداً عن كل ما له علاقة بالقراءة والكتابة، بالمناسبة أنا أذنت لعائلتي بالسفر وبقائي وحيداً، وها أنا أرغب أن أجد شخصاً يستمع إلي، ليس عبر الهاتف، بل مباشرة، لا أقرباء لدي في هذه المدينة، وجميع الجيران للأسف لا تربطني علاقة معهم.
فكرت أن أقف أمام المرآة وأحدث نفسي، وأقوم بتسجيل ذلك، استحسنت كثيراً هذه الفكرة، وقررت أن أنفذها، هنالك أكثر من مرآة بالبيت، أغلبها صغير فلا أرى إلا النصف الأعلى، ولكن هنالك غرفة خصصناها مع زوجتي لتغيير الملابس بها مرآة كبيرة، دائماً أقف أمامها بالذات عندما ألبس الثوب والبشت بالطبع مع الغترة أو الشماغ والعقال لأعرف مدى تناسق لبسي، أحياناً ألتقط صورة بهاتفي المحمول لي، للذكرى ربما، أنا الآن ألبس ثوب البيت لم أحلق ذقني، سأقف أمام المرآة وأحدث نفسي، سأحكي الحكاية ولكن قبل ذلك لا بد أن أضع جهاز هاتفي المحمول على مقعد صغير بالقرب مني ليلتقط صوتي وأنا أتحدث، أقف أمام المرآة وأتأمل نفسي، ربما يتخيل البعض أن السياق للحدث أن المرآة تتحول إلى شيء أشبه بالبوابة، بياض رهيب أدخل من خلاله لعوالم غريبة، لا لن يحدث، والمرآة عادية وليست سحرية، لتعكس صورة أخرى، ربما كنت مجنوناً قليلا حين فكرت بأن أكون حكواتياً وأتحدث، وبالذات أمام مرآة، ما الذي يمنع لو انتظرت قليلاً حتى عودة أسرتي، لأحكي عليهم الحكاية، أو لو أرجأت ذلك للمساء عندما أقابل بعض الأصدقاء، وهناك سأرى ردة فعلهم وهم يستمعون للحكاية إضافة إلى سماعي لآرائهم، ولكن ليس لدي صبر، أريد أن أحكي الآن ولو على نفسي، وأمام المرآة، أتذكر أنني لم أتناول طعام الإفطار بعد، وربما الحكاية تطول وهذا ليس مفيدا لي، لذا قررت أن أذهب للمطبخ، وأعد إفطاراً سريعاً آكله، وأتناول كوب شاي، ثم أعود وأقف أمام المرآة، وأحكي، الأمر لم يستغرق وقتاً طويلا، لا أحد في البيت، وأنا وحيد، أتنقل بين غرفه، أصعد الدرج واتجه للمطبخ، ثم أذهب إلى غرفة الطعام، ثم أعود وأدخل دورة المياه، ثم أجد نفسي أقف أمام المرآة، وأضغط على زر التسجيل في جهاز هاتفي المحمول، ولكن أتوقف، وأقرر أن يكون الأمر أفضل من ذلك، بمعنى أن تقترن الصورة مع الصوت، ويتم التصوير بطريقة احترافية، وأتذكر أن لدي كاميرا فيدو اشتريتها قبل سنوات، سبق أن استخدمتها لتوثيق رحلة إلى الخارج مع عائلتي بالصورة والصوت، هي حتماً في أحد الأدراج في هذه الغرفة، وجدتها، ولكن تحتاج إلى شحن، لا بأس لأنتظر قليلاً، مهم أن أوثق الحكاية التي سأحكيها بعد قليل، وليسمعها الجميع وبالذات أسرتي، وبالطبع حينها سأرى تأثير ما أحكيه عليهم، يوجد (سي دي) في داخل الكاميرا، وهذا أراحني، و أكثر من ساعة المساحة المتبقية للتسجيل، وهذا أمر جيديضاً، الآن كل شيء مهيأ لكي أبدأ بالوقوف أمام المرآة وأضع الكاميرا أيضاً أمامي وأبدأ أحكي، سأتأمل شكلي وأنا أتحدث، و أرصد مشاعري بالذات عند المواقف التي تحتاج لضحك أو بكاء، أعتقد في الحكاية مواقف كثيرة حزينة، قبل أن أبدأ قررت أن أتأكد إذا كانت الكاميرا تختزن تسجيلاً سابقاً، أعدت الشريط إلى البداية، وبدأت أتابع ما تم تسجيله سابقاً، التاريخ الذي على أسفل الشاشة الصغيرة الملحقة بالكاميرا، يوحي أن التسجيل كان قبل عشر سنوات تقريباً، تتضح الصورة، وأتفاجأ بتسجيل لي.. بملابس شبيهة بما ألبسه الآن.. كنت أقف أمام الكاميرا وأقول حكاية.. يا إلهي هي نفس الحكاية التي كنت سأسجلها الآن.