«الجزيرة الثقافية» - محمد هليل الرويلي:
بدايات معه، انتقلت معه وتنقل معها – بدافع الحب فقط - مضيًا سويًا ولا يزالان مستمرين.. في يوم مضى خرج مع والده - رَحِمَهُ الله - إلى محلِّه ودكانه، واشترى بعض الصحف اليوميَّة من مكتبات مجاورة، واشترى آنذاك كتاباً، من سلسلة «عباقرة حول العالم»، يتحدث عن أديسون مخترع الكهرباء، كان مؤثرًا بالنسبة له؛ لأنَّ فيه حديثاً عن الشخصيات العالميَّة والعلميَّة والعبقريَّة، التي حاول ضيفنا مطلع غريته التّعرف عليها..
هي هكذا بدايات «الحب والشغف» التي جمعت الناشر والكاتب الدكتور محمد المشوح والقراءة وهي هكذا علاقته بالكتب: أضابير نفيسه لم يشح وجهه دونها، إنما ولاّها وتولاها مُجدفًا الوعي، إذ ها هو ذا مُقبلًا صوب مكتبة المقبل، ويؤم مكتبة اليمامة، الواقعة في شارع الملك فيصل بمدينة بريدة، وينشد النهضة أو المكتبات المجاورة للجامع الكبير. طالع وحسن تطلع اجتمعا، وتناضدا بروج صاحب الثلوثية ومصاحب الأدباء ومعارض الكتب العربية. فإلى أولى استهلالاته المتوشحة بالنياشين..
أوَّل كتاب قرأته «صور من حياة الصحابة»، ثمَّ «صور من حياة التابعين» لاحقًا. ما زلت أحتفظ بتلك النسخ الأولى من البدايات في القراءة مع كل من هذين الكتابين الماتعين. كنَّا نقرؤه في المدرسة، ثمَّ تعلَّقت قلوبنا بهذه السلسلة لسببين؛ الأول: إنَّها كانت مرتبطة بحياة أفضل الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام. وما زلنا ننعم ببركة هذه البدايات. وثاني هذه الأسباب؛ الأسلوب الأدبي الرائق الذي كان يكتب به المؤلف.
ثمَّ انتقلت من الحبِّ العام للكتاب إلى قراءات متنوعة أسوة بأبناء جيلي آنذاك وعلى رأسها بلا شك كانت تصل إلى تلك المكتبة روايات الهلال، وكانت شهرية، تزيد عن سبعين عملًا، وكان على رأس هذه القراءات سلسلة «المغامرون الخمسة»، وهي قصص بوليسية لمحمود سالم، تلقاها أبناء جيلنا بالقراءة المبكرة، والملاحقة لما فيها من جاذبيَّة وحسن عرض وجذب ولا ننسى أبطال تلك المغامرات: لوزة وعاطف ونوسا وغيرهم. ومن أوائل الكتب «عنترة بن شداد، تغريبة بني هلال» ومن الكتب التي حببتني في القراءات التاريخية أن كان لدى والدي نسخة من كتاب «تذكرة أولي النهى والعرفان» للشيخ إبراهيم بن عبيد رحمه الله. وفي المرحلة الثانويَّة تحسَّنت القراءات وتطورت فقرأت «عدالة السماء» للَّواء العراقي الكاتب محمود شيت خطَّاب.
وأذكر - إن لم تخنِّي الذاكرة - أنَّ أوَّل كتاب اشتريته من مكتبة المقبل «المستطرف في كلِّ فنٍّ مستظرف»، ومن لطائف هذا الكتاب أنَّ هذه النسخة التي اشتريتها آنذاك - قد تكون بعشرة ريالات - أذكر أنَّني أحتفظ بها وما زلت، لكن اللَّطيف الآخر في هذا الموضوع أنَّه بعدما كبرت مكتبتي وصار لي عناية بالكتب وكتب التراث عمومًا، وبالأخص ما يتعلق بطبعات وجدتُ في مكتبتي عدة طبعات لذلك الكتاب – المستطرف - وأصبح لديَّ طبعة قديمة ونادرة ونفيسة طُبعت عام (1330هـ)، في المطبعة المليجية بالقاهرة، والطبعة الثانية (1354هـ)، إلى أن أصبح لديَّ منه أربع نسخ.
فيما كان أوَّل كتاب استعرته «المعجم الجغرافي لبلاد القصيم» من النادي الأدبي بالقصيم، (1403هـ)، لشيخنا العلامة محمد بن ناصر العبودي، وكان لذلك الكتاب الذي استعرته قبل نحو أربعين عامًا أن أقوم بطباعته في (دار الثلوثية) التي أسستها وأقوم عليها، بطبعة فاخرة قشيبة، وأهديته وقمنا بتوزيعه على من يرغب ويحب.
أمَّا أوَّل كتاب ألَّفته وظروف تأليفه، فهناك العديد من المؤلفات اليسيرة التي حاولت أن أقوم بها،كان أوَّل هذه الكتب التي نشرتها كتاب اسمه «مفردات»، ومفردات كانت زاوية أكتبها في مجلة اليمامة، (1416- 1418هـ)، جمعتها في كتيب صغير «مفردات».
• «محمد العبودي حياته وإسهاماته وجهوده»
والمؤلف الآخر الحقيقي الذي قمت عليه؛ هو كتاب عميد الرحالين «محمد العبودي حياته وإسهاماته وجهوده»، ويقع في أكثر من 400 صفحة قمتُ بتأليفه فور علمي بتكريم معالي الشيخ في مهرجان الجنادرية وحصوله على وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، فاسنهضت همَّتي لأصدر هذا الكتاب متوافقًا ومتزامنًا مع هذا الاحتفاء والتكريم الذي قامت به دولتنا المباركة وولاة أمرنا - حفظهم الله - أما الكتب التي فقدتها عن طريق الإعارة فلا شك أنَّ المحبَّ للكتاب والعاشق لها لا بد أن يكون لديه مكتبة، والمكتبة لا بد أن يأتي إليها ويسال عنها من يماثله في الحبِّ والعشق، وكانت ترد إليَّ وعليَّ بعض الطلبات والاستفسارات عن بعض الكتب، وكنت لا أعير كثيرًا في الحقيقة، لكنَّني أقع أحيانًا في إحراجات، ولا شكَّ أنَّ الإعارة كما يقال نتيجتها وخيمة؛ لأنَّ الغالب أنَّ هذه الإعارات لا تعود ولا ترجع.
ومن الطريف أنني أجلس دائمًا إمَّا في مكتبتي أو في المجلس الصغير الخاص، أو المجلس الطينيّ الذي أجلس فيه في بيتي، ويتوافد علي الكثير من الأصدقاء، ويُهدى إليَّ العديد من الكتب، وأقرأ في بعض الكتب أحيانًا وأنا جالس في ذلك المجلس، وأحيانًا أنسى أن أحمل هذه الكتب إلى داخل المكتبة.
لكنَّني أفاجأ ببعض الزوار، فتقع عينه على كتاب، وإذا به يأخذ هذا الكتاب بلا استئذان ولا موافقة مني، ويقول: إنني لن أستأذنك بأخذ هذا الكتاب، فأستحيي منه، ولا أرغب في أن أدخل في جدال معه، مع حبِّي وتعلُّقي بهذا الكتاب، وكأنَّه أخذ قطعة منِّي.
وفي معرض إجابته عن سؤال تطرق للكتب التي واجه صعوبة في شرائها من معارض الكتب أو المكتبات تحدث قائلًا: الحقيقة أنَّني يسَّر الله علي - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بحكم أنَّني أسست دار النشر «الثلوثية للنشر والتوزيع» وأقوم بجولة دقيقة متكررة على معارض الكتاب العربيَّة، فلا يوجد معرض كتاب عربيّ إلا ووطئته وزرته، - وَللهِ الحَمد-، واشتريتُ العديد من الكتب، قد أجد بعض الكتب وأبحث عن بعض العناوين، وأعدها نافذة، وأحترق لذلك، لكنني بحكم تعمُّقي في الكتاب وعلاقاتي مع أهل الكتاب فإنَّني لا أجد عسرًا، وأصل إلى ما أريده في الغالب من كتاب إمَّا اقتناءً وشراءً أو على الأقل تصويرًا.