د.شجاع بن متعب بن غميض
الزواج يحقق مقصدًا من المقاصد الخمسة العليا للشريعة، وهو ميثاق غليظ كما وصفه القرآن الكريم في قوله تعالي: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً .. الآية}. وبهذا العقد الوثيق تتشكل الأسرة التي تُمثل اللبنة الأساسية لتكوين المجتمع وترابطه وسلامة بِنائه، ويوضح هذا العقد المقدس المهام والواجبات والأدوار التي ينبغي أن يؤديها كل الأطراف المعنيين بهذا الميثاق.
ومع قداسة هذا الميثاق والأهمية يحدث اختلافات بين الأزواج بحكم الطبيعة البشرية، وهو أمر في ظاهره طبيعي، وقد لا تخلو أسرة من تجاذبات في وجهات النظر، وقد تكون هذه الاختلافات (ملح الحياة كما يُقال) إذا لم تصل إلى خلافات وصراعات ينتج عنها انفصال بين الزوجين وخاصة من لديهم أطفال، ومتى ما حصل الانفصال أصبح الضرر متعديًا إلى أطفالهم.
ومن أشد تلك الأضرار عندما تسيطر الرغبة في الانتقام للذات من أحد الأطراف لإيقاع الضرر على الآخر من خلال الأطفال، في ظل عدم وضوح أو تجاهل بعض مواد النظام الخاص في الأحوال الشخصية، وقد يصل الأمر إلى حرمان الأطفال من أبسط حقوقهم في التعليم والصحة وتعطيل إصدار وثائقهم، ومستندات تسيير متطلباتهم الحياتية، مما يسهم في كثير من المشاكل والأضرار النفسية والمعنوية للأطفال الذين يحدث عدم تفاهم وانفصال بين والديهم.
ومع أن الأجهزة الحكومية التي تقدم خدماتها المباشرة لتلك الفئات تعمل لتلافي ما قد يحصل من تبعيات وأضرار، كوزارة التعليم والصحة والأحوال المدنية وغيرها، من خلال ما تقوم به من جهود مباركة لتجنيب الأبناء الآثار النفسية لتلك الصراعات، بالعمل المستمر لتطوير أنظمتها وتحديثها ومراجعتها تبعًا لما يرصد من وقائع وقضايا، لكن الجانب الأهم في تلافي وتراكم نتائج هذه المشكلات لا يقف فقط عند تلك الأجهزة، بل يقع على ثقافة المجتمع بشكل عام وعلى فهم الحقوق ووضوح الواجبات بشكل خاص بين طرفي الخلاف.
فما كان يفرضه العرف والعادات في السابق، أصبح في العصر الحاضر متغيرًا، فالمجتمع قبل فترة زمنية ليست بالبعيدة جداً، يعتمد ويُؤمِن في التكامل الأسري من خلال الأسرة الممتدة التي تضم جميع أفرادها تحت قيادة رشيدة واحدة يمثلها الجد على سبيل المثال، في حين أصبحت الحياة في الوقت الراهن تعتمد على الأسرة النووية التي تتمتع بالاستقلالية، وعدم مشاركتها غيرها في المسئولية كما كان في السابق، وتغير دور المرأة من ربة بيت إلى ربة عمل، وانتشار العلم والمعرفة، أدى إلى تمسك كل من الطرفين فيما يراه حقًا له دون إيثار الأطفال على نفسه، بالإضافة لكثير من العوامل التي تسهم من آثار وأضرار الانفصال بين الزوجين في حال وجود أطفال.
ومع تصاعد ظاهرة حالات الطلاق وتزايد النسب السنوية لها، حيث بلغ إجمالي عدد صكوك الطلاق الموثقة (51.125) صكًا في إحصاءات عام 2019م، وما يترتب على هذه الظاهرة من مخاطر على الأسرة والمجتمع، ينبغي التصدي لها والحد منها بكل ما هو متاح وممكن، ولعل أهم خطوة للتصدي لآثارها أو التقليل منها على الأطفال بشكل خاص، سيكون من خلال شروط عقد الزواج، باعتباره من أهم العقود التي فيها حقوق، فالشائع عند الناس والمتداول في شروط هذا العقد يظهر في الجوانب المالية والدراسية والعمل وغيرها، ويتجاهل شروطًا أخرى غاية في الأهمية، لحماية مقاصد الزواج الأساسية والتي شُرع من أجلها، وهي الذرية وحفظ حقوقهم، عندما يحدث الانفصال في وجودهم، وفي ظل هذا التطور في المفاهيم والتمسك في الحقوق، فلماذا لا يتم التطرق لذلك في عقد سامٍ هدفه صيانة الأسرة وحماية الطفل؟ وفي الغالب أن التوافق على شروط العقد وارد ومدرك في البداية، لكنها صعب عند حدوث الصراعات والخلافات.
ومع أهمية دور الوعي بخطورة ما قد يقع على الأطفال من آثار نفسية واجتماعية وتشتت وضعف في التربية الصحيحة، يجب أن لا يقتصر الدور على الأجهزة الحكومية المعنية، بل ينبغي أن يشارك المؤثرون من أفراد المجتمع كالدعاة ووسائل الإعلام المختلفة من خلال تبني برامج توعوية تبين الحقوق والواجبات والأنظمة المعمول بها، وتوضح المخاطر والأضرار التي تقع على الأطفال بشكل مباشر، فالشراكة المجتمعية سمة الرقي والتقدم في المجتمعات، ومؤسسات المجتمع المدني عليها واجبات وأدوار مهمة لم تصل إلى مستوى الرضا في المجتمع.
حفظ الله الوطن وأدام عزه.