د. عبدالحق عزوزي
...حسب تعبير أحد تقارير الأمم المتحدة، يعتبر تغير المناخ القضية الحاسمة في عصرنا، ونحن الآن أمام لحظة حاسمة. فالآثار العالمية لتغير المناخ هي واسعة النطاق ولم يسبق لها مثيل من حيث الحجم، من تغير أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي، إلى ارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية.
كما أن التكيف مع هذه التأثيرات سيكون أكثر صعوبة ومكلفاً في المستقبل إذا لم يتم القيام باتخاذ إجراءات جذرية الآن.
ويشير التقرير إلى أن الغازات المسببة للاحتباس الحراري تحدث بشكل طبيعي وهي ضرورية لبقاء البشر والملايين من الكائنات الحية الأخرى على قيد الحياة عن طريق الحفاظ على جزء من دفء الشمس وعكسها مرة أخرى إلى الفضاء لتجعل الأرض صالحة للعيش.
ولكن بعد أكثر من قرن ونصف القرن من التصنيع، وإزالة الغابات، والزراعة الواسعة النطاق، ارتفعت كميات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي إلى مستويات قياسية لم تشهدها منذ ثلاثة ملايين عام.
وبينما تنمو الاقتصادات ومستويات المعيشة للسكان، فإن مستوى تراكم انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري (غازات الدفيئة) آخذة في الارتفاع أيضاً؛ وكذلك الحال بالنسبة للمستوى التراكمي من الغازات المسببة للاحتباس الحراري (انبعاثات غازات الدفيئة).
هناك بعض الروابط العلمية الأساسية الراسخة:
* هناك علاقة مباشرة بين تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي للأرض بمتوسط درجات الحرارة العالمية على الأرض.
* تركيز الغازات آخذ في الازدياد المطرد جنباً إلى جنب مع درجات الحرارة العالمية منذ عهد الثورة الصناعية.
* حرق الوقود الأحفوري ناتج عن غازات الدفيئة المتوفرة بكثرة وثاني أكسيد الكربون (CO2) تستأثر بحوالي ثلثي غازات الدفيئة.
وفي هذا الصدد، نشر مؤخراً رجل الأعمال الأمريكي بيل غيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، كتاباً بعنوان «كيفية تجنب كارثة مناخية: الحلول المتوافرة لدينا والاختراقات التي نحتاج إليها»؛ ويشرح غيتس من خلال 12 فصلاً وبأسلوب سهل ومفهوم لجميع الشرائح المجتمعية، التداعيات الممكنة لأزمة المناخ، مع طرح خطة وخطوات يمكن باتباعها على الصعيد الرسمي والشعبي للسيطرة على الاحتباس الحراري، وذلك بالاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة والوعي التراكمي لدى الناس. ورسم بيل غيتس خطة طريق تنظيرية تهدف إلى القضاء على الانبعاثات الكربونية بصورة كاملة، وليس تقليلها كما يدافع عن ذلك البعض، وذلك للقضاء على التكاليف الاقتصادية والبشرية والبيئية التي يمكن أن تنجم عن استمرار تلك الانبعاثات، وألح في كتابه على ضرورة التخلص من 51 مليار طن من غازات الاحتباس الحراري التي تُضاف للغلاف الجوي سنويًا، وصولًا إلى صفر انبعاثات بحلول عام 2050.
كما شرح رجل الأعمال الأمريكي سبل وكيفية القضاء على تلك الأطنان من الانبعاثات التي تتكون انطلاقاً من خمسة مصادر، إذ إن استخدام مصادر الطاقة المتجددة وتقليل الوقود الأحفوري من شأنه أن يمثل نحو 27 % من الانخفاضات المطلوبة، علاوة على تغيير طرق تصنيع السلع، الذي قد يحقق انخفاضات بمقدار 31 %؛ كما يمكن أن يساهم تغيير طرق زراعة المحاصيل الغذائية، وتقليل السفر، والحفاظ على المباني دافئة أو باردة، في خفض الانبعاثات بنحو 18 % و16 % و6 % على التوالي.
ولكن الذي غاب في كتاب بيل غيتس هي إعطاء تصور قابل للتطبيق لجعل دول العالم تأخذ قرارات حقيقية في هذا المجال بدل البقاء في عالم التنظير اللامتناهي، خاصة بعد الانتكاسات المتتالية في هذا المجال والتي أقبرت العديد من الاتفاقيات التي أبرمت في السنوات الأخيرة لصالح البيئة ومستقبل الكون والبشرية، خاصة بعد قرار الإدارة الأمريكية السابقة الانسحاب من الاتفاقية الدولية للمناخ وهو ما أثار في حينه غضباً مشروعاً.
الاتفاق وقعت عليه 194 دولة، ويتعهد المجتمع الدولي بحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائها «دون درجتين مئويتين»، قياساً بعصر ما قبل الثورة الصناعية، وبـ»متابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية». وهذا يفرض تقليصاً شديداً لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري باتخاذ إجراءات للحد من استهلاك الطاقة والاستثمار في الطاقات البديلة وإعادة تشجير الغابات... كل هاته القواعد الجميلة كانت قد سطرت في باريس ثم مراكش، ولكن تبقى رهينة محركي النظام العالمي ورغبات الدول العظمى... فهاته الأخيرة غير مستعدة لإعادة هيكلة صناعاتها وطريقة عيشها، وهي تفكر في أصوات الناخبين واللوبيات الصناعية النافذة أكثر من مستقبل الكرة الأرضية.