م. سلمان إسماعيل بخيت السوداني
كنت أتحدث مع بعض الأصدقاء عن نية حكومة المملكة العربية السعودية في زراعة ما يسمى المشروع الوطني لتشجير عشرة ملايين شجرة بمناطق المملكة، فرد أحدهم متهكماً، حيسقوها بنزين، فضحكت وعلمت أن هذا الرجل لا يعرف المملكة كما خبرتها أنا منذ 1394 هجرية الموافق 1974م وحتى تاريخ يومنا هذا الموافق 7-4-2021م قضيتها كلها في حقل المياه، ما بين وزارة البلديات ومصلحة مياه ومجاري الرياض وبرنامج تشغيل وصيانة مياه الرياض ثم وزارة المياه والكهرباء، أمضيت الفترة من العام 2003 م إلى العام 2017م كاستشاري للمياه البلدية مشاريع إنتاج مياه الشرب، (مشاريع معالجة مياه الصرف الصحي الخام، مشاريع إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة للأغراض الزراعية والصناعية) وقد اختار لها معالي المهندس عبد الرحمن الحصين اسم المياه البلدية حتى نميز بينها وبين مياه الري للأغراض الزراعية، والتي كانت في تلك الفترة ليست من اختصاص وزارة المياه والكهرباء، ولكن حالياً تغير الاسم لوزارة البيئة والمياه والزراعة.
المملكة العربية السعودية تشكل ما نسبته 70 % من مساحة شبه الجزيرة العربية، إذ تبلغ مساحتها 2.250.000 كيلومتر مربع، حيث لا يوجد في هذه المساحة الكبيرة نهر جار على مدار العام، مما جعل الكثير من الناس، بما فيهم بعض المواطنين، يظنون أن هذه البلاد لا تملك مياهاً تكفي لزراعة مليون شجرة ناهيك عن عشرات الملايين منها، وسوف أستغل هذه المساحة للرد على كل هؤلاء بالبيانات والأدلة الدامغة فالدليل ما يستدل به، ودامغة أي من الدماغ، تعالوا معي لنتعرف على المملكة العربية السعودية بلاد المياه وليست بلاد البترول فقط كما عرفتموها أنتم والمياه تجري تحت أقدامكم ومن فوقكم منهمرة، لا يمكن أن يكون دعاء سيدنا إبراهيم خليل الرحمن قد جاء من فراغ {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} فلا أمن ولا رزق بغير ماء {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}.
والمملكة اليوم تنتج ما يقارب ثمانية ملايين متر مكعب في اليوم توزع على 15665 من المدن والقرى والهجر، سكانية، موزعة على 2.250.000 كيلومتر مربع هي كامل التراب السعودي، وقد حددت حصة الفرد الذي يسكن بمدن الفئة الأولى 250 لتراً/ للفرد/ اليوم، بينما من يسكنون بلدات الفئة الثانية 200 لتر/ للفرد/ اليوم، وأما سكان القرى والهجر فقد حددت حصة الفرد بواقع 150 لتراً/ للفرد/ اليوم، ولو رجعتم لدول كفرنسا وألمانيا وبريطانيا ستجد أن حصة الفرد لا تتجاوز الـ100 إلى 150 لتراً/ للفرد/ اليوم وذلك لأن الفرد في أوربا يعيش في طقس بارد وقليل استخدامات المياه للاستحمام، حيث لا يهتمون بنظافة البدن كما نفعل نحن في بلاد الحرمين الشريفين تجدنا نهتم بنظافة البدن من استحمام وغسل ووضوء، فوضعت كل هذه الاحتياجات ضمن حصة الفرد ولم يتم تجاهل حتى الفاقد الناتج عن التسربات.
إلا أنني أكتب لكم وأدعوكم لتتفكروا وتتبعوا معي هذه المعجزة الإلهية للمملكة، فهنالك خط يبدأ عند حدود المملكة العربية السعودية مع المملكة الأردنية في الشمال، وينتهي عند حدود المملكة العربية السعودية مع اليمن في الجنوب، هذا الخط الوهمي يقسم المملكة لجزأين (غير متساويين) الجزء الشرقي منه الأمطار فيه تتراوح ما بين 100 مليمتر إلى صفر مليمتر، أي أن هذا الجزء الشرقي، والذي يضم مدينة تبوك ومحافظة تيماء وشرقا مناطق الجوف والحدود الشمالية والمنطقة الشرقية ومنطقة حائل نزولا ناحية الجنوب إلى منطقة القصيم والجزء الشرقي لمنطقة الرياض وحتى منطقة نجران، هذا الجزء فقير جداً
للأمطار ولكن رحمة الله سبحانه وتعالى سقته من تحته مياه لم ترها أعينكم وانتم تنظرون لبساتين النخيل والمزروعات في حائل والقصيم ومزارع شجر الزيتون في الجوف ومزارع شجر النخيل بالأحساء في المنطقة الشرقية وخيرات منطقة نجران من خضراوات وفواكه وغيرها في منطقة تكاد تكون فيها الأمطار منعدمة تماماً، ولكنها غنية بخيراتها ولا أظن أي مواطن سعودي يحتاج مني أنا السوداني أن أحدثه بخيرات القصيم ويكفي دجاج وبيض الوطنية وخضراوات وفواكه القصيم وغيرها، هذا الجزء الشرقي الذي لا يعتمد على نقطة ماء نزلت من السماء ولكن جاءت من المتكونات الجوفية العميقة وهي متكونات رئيسية وهذه المتكونات نشأت لما قبل العصر الكمبري وتتكون من متكونات الساق، PRINCIPAL AQUIFERS النيوجين، الدمام، أم الرضمة، البياض والوسيعة، المنجور وأم الضرمة، تبوك، الوجيد وغيرها (لاحظ أن هذه المخزونات المائية توجد فقط في مناطق المملكة التي ليس بها هطول أمطار) بل لو تتبعنا هذا الخط شرقاً لدول الجوار كالكويت وقطر والإمارات لن نجد متكونات بمستوى الساق الذي يبدأ من جنوب الأردن مروراً بتبوك وحائل إلى القصيم، وينتهي حين يبدأ حقل المستوى بالزلفي أو الوجيد بنجران الذي تصل خيراته لكل مناطق السعودية، ويكفي أن نقول إن أكبر شركتي ألبان ودواجن في العالم هما الصافي والمراعي وتشتمل على SECONDARY AQUIFERS تتغذى من هذه المتكونات، ونعود ونذكر بالمتكونات الثانوية الرواسب الوديانية، طبقة البازلت، طبقة الأروما، الطباشيري السفلي، طبقة سكاكا، الجوراسي العلوي، الجلة، الخف والجوف، هذه من نعم الله على هذا البلد والذين تحدثوا عن أن الزراعة سوف تستنزف 85 % من المخزون الجوفي العميق، أخافهم العملاق الزراعي القادم من جزيرة العرب، فأنا شاهد عيان على الثورة الزراعية السعودية، فكيف غيرت وجه الإنسان السعودي خاصة أطفاله مع حليب وزبادي المراعي والصافي ونادك وأحدثت تغييراً حتى في فهم الإنسان، فطفل تغذى جيدا بحليب وزبادي المراعي والصافي ونادك يختلف عن طفل كان غذاؤه حليباً مجففاً، لذا آمل أن ارى السعودية الخضراء غداً.
هذا فيما يتعلق بشرق الخط الوهمي الذي ذكرته لكم والذي يبدأ من حدود الأردن شمالا إلى حدود اليمن جنوبا مقسما منطقة تبوك لقسمين، قسم شرقي يضم مدينة تبوك ومحافظة تيماء يوجد به طبقتا تبوك والساق والجزء الغربي حيث محافظات حقل ضبا الوجه وأملج ضمن منطقة الدرع العربي، فتعالوا ننظر ماذا وهب الله سبحانه وتعالى المنطقة الواقعة غرب خطنا الوهمي هذا، حيث توجد طبقة الدرع العربي SHIELD ARABIAN وهي طبقة صماء لا تسمح بنفذية المياه لباطن الأرض، وبالتالي لا توجد طبقة جوفية حاملة للمياه أي حرمت هذه المنطقة رحمة باطن الأرض، وعوضها الله برحمة السماء، حيث تأتى الرياح الشمالية الغربية مشبعة بالمياه من منطقة البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وتهطل على منطقتي المدينة المنورة ومكة المكرمة حين تصطدم بسلسلة جبال الحجاز وتأتي الرياح الجنوبية الغربية محملة بالسحب الممطرة لمرورها فوق البحر الأحمر لتصطدم بسلسلة جبال عسير وتهطل أمطار غزيرة قد تتراوح ما بين 450 ملم إلى 600 ملم على جازان وأجزاء من عسير وهذا الجزء الفقير من الطبقات الجوفية العميقة الحاملة للمياه حباه الله بكمية مياه أمطار موسمية جعلت القائمين على الأمر بالحكومة السعودية ينشئون عدداً من السدود السطحية والجوفية على طول هذه المنطقة بدأت من جنوب جازان إلى شمال المدينة المنورة منها سدود للحماية، وسدود للاستعاضة وسدود للشرب نذكر منها سد بيش، سد جازان، سد ضمد، سد هروب، سد حلى، سد يبه، سد قنونا، سد الملك فهد، سد المرواني، سد رابغ وسد ينبع وسدود أخرى يصعب حصرها، ويمكن ان نقول أن السدود ما بين سد للاستعاضة والحماية والشرب إلى جانب سدين للري فقط قد تجاوز عددها الكلي 521 سداً وهنالك 31 سداً تحت التنفيذ، إلا أن هذه السدود لا تفي بحصاد كل المياه التي تهطل على المملكة، فقد أفادت وزارة البيئة والمياه والزراعة بالسعودية، أن معدل هطول الأمطار في المملكة للخمسين سنة الماضية بلغ حوالي 103 ملم في السنة، والحجم السنوي للأمطار حوالي 166 مليار متر مكعب سنوياً، وقال المتحدث الرسمي باسم الوزارة إن متوسط حجم السيول في المملكة يبلغ نحو 8 مليارات متر مكعب سنويا، مشيرا إلى أن الحد الأقصى للاستفادة من السيول هو في حدود 5 مليارات متر مكعب سنويا، والباقي يهطل على صحراء الربع الخالي وعلى أودية الرف الرسوبي، وأضاف أن ما يتم تجميعه من مياه السيول حاليا هو نحو 2.3 مليارامتر مكعب من خلال 521 سدا سطحيا وجوفيا، وتعمل الوزارة على زيادتها إلى 2.57 مليار متر مكعب من خلال 31 سدا يجري تشييدها، ولفت إلى أن هناك فرصة لتجميع ما يقارب 1.55 مليار متر مكعب إضافية سنويا من خلال مشروع إنشاء 1000 سد، ليصبح ما سيتم تجميعه نحو 4.12 مليارات متر مكعب سنويا، وأشار إلى أن الوزارة أنشأت 22 بركة لتجميع مياه الأمطار في المواقع التي لا يمكن إنشاء سدود بها، وذلك بسعة تخزينية إجمالية بلغت مليون متر مكعب سنويا، كما تعتزم زيادة عدد البرك بمقدار 50 بركة لتجميع ما يقارب مليوني متر مكعب سنويا، كل هذا يقع غرب الخط الوهمي الذي تعارفنا عليه، وبالتالي تنتفي حاجة استخدام مياه البحر المحلاة لزراعة عشرة ملايين شجرة لأسباب يمكن أن نحصرها في التالي:
1- في حال تم ري هذه الأشجار بمياه الأمطار والسيول، تقل الحاجة لاستخدام الأسمدة الزراعية لأن هذه المياه تأتي مشبعة بكل ما يفيد النبات، بينما مياه البحر المحلاة خالية من أي منها فهي H2O .
2- تكلفة التركيب والتشغيل والصيانة لمحطة التحلية مرتفعة جدا وعمرها الافتراضي لا يتجاوز 30 إلى 35 سنة لتستبدل بأخرى.
3- حصاد مياه الأمطار يمكن أن يتم بإنشاء سدود ركامية (حجارة، أسمنت ورمل) وجميعها مواد متوفرة.
4/ إنشاء مسطحات مائية مقرونة مع خضرة الأشجار تحسن الطقس وتنشأ حولها متنزهات يخرج إليها المواطن للترفيه.
5- يمكن إنشاء مزارع أسماك وبرك لتربية البط والأوز داخل خزانات حصاد مياه الأمطار والسيول لتتحول هذه البرك لمنتزهات سياحية مع حصر بعض الحيوانات كالغزلان بجميع أنواعها والأرانب داخل المساحات المغطاة بالأشجار مع مسطحات خضراء (النجيلة) كمرعى لهذه الحيوانات.
6- يمكن رفع طاقة التخزين لهذه السدود ليستفاد من الماء المخزن في مشاريع مياه الشرب.
7- يمكن أن يضاف لهذه الكمية من مياه السيول والأمطار العائد من معالجة مياه الصرف الصحي من الدرجة الثلاثية والتي تشكل حوالي 80 % من حجم مياه الشرب بالمملكة وحيث إن استهلاك المملكة من المياه لأغراض الشرب سوف يتجاوز الـ12 مليون متر مربع يوميا في فترة لن تتجاوز 2040م أي أن العائد منها كمياه صرف صحي معالجة سيبلغ 9.600.000 متر مكعب في اليوم أي ما يعادل 3.504.000.000 متر مكعب في السنة، وحيث إن الري لشجر الظل لا يستهلك كمية مياه كبيرة في حال استخدام الري بالتنقيط، كما أن رى المسطحات الخضراء (النجلية) باستخدام الرش الدقيق لا يستهلك أيضاً كميات مياه كبيرة إلا في فصل الصيف، ويفضل أن تقسم منطقة شجر الظليات إلى مربعات مساحة كل مربع مساحته 25 متراً مربعاً 5mx5m يكون موقع الشجرة في منتصف هذا المربع في حال الرغبة لشجيرات متباعدة حتى تغطي أشعة الشمس المسطحات الخضراء للنجيلة وفي حال الرغبة إنشاء غابة ظلالها متداخلة يمكن أن تكون مساحة المربع 9 أمتار مربعة m x 3m ، ولغرض الاستفادة القصوى من إعادة استخدام مياه الصرف الصحي النعالجة، نقترح أن تباشر جميع البلديات بالمملكة بتوجيه الملاك للعقارات الخاصة بفصل مياه الصرف الصحي السوداء (العائد من مياه دورة المياه والمطبخ) من بقية المياه الرمادية العائدة من مياه الاستحمام والوضوء ومياه غسيل الملابس وغسيل السيارات والحوش وغيره.
ونترك الباب مفتوحا لكل صاحب رأي مفيد فالمملكة في حدقات العيون ويكفي أنها
احتضنتني بكل عناية وأنا شاب في الرابعة والعشرين واليوم قد تجاوزت السبعين، إنها سنوات لن تنسى.. ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، فقد تعلمت الكثير من رجال المملكة الذين التقيت بهم في جميع محطات العمل التي وقفت بها فيما بين 1394هـ إلى 1442هـ أي قرابة نصف قرن، أذكر منهم عبدالعزيز الطريقي، الدكتور صالح المالك، عمران العمران، محمد بن إبراهيم العبد الكريم، الدكتور المهندس ناصر بن محمد السلوم، المهندس عبد الله بن عبد الرحمن المقبل، الأمين الشيخ عبد الله العلي النعيم، المهندس علي عبدالله النعيم، الأمير سعود بن ثنيان، المهندس سلطان بن حشر، سعادة المهندس سعود بن محمد عبد الله البلهيد، الدكتور علي الطخيس، الدكتور محمد إبراهيم السعود، المهندس عبد العزيز بن عبد الرحمن الجبر، المهندس سليمان بن عبد الرحمن الشعلان، المهندس أحمد اليوسف، متعب بن سعيد القحطاني، المهندس عبدالله بن عبدالرحمن الحصين... والقائمة طويلة وتضم جيشاً من المهندسين والجيولوجيين بالمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة وشركة المياه الوطنية والمديريات العامة للمياه بمناطق المملكة الـ13 وكل من قدم لي نصحا أو نقدا هادفا، ولا أذكر طيلة هذه السنوات أن أشعرني أحدهم بأني لست فردا منهم، وأعتذر لكل من وضع لبنة في مسيرتي العملية وسقط اسمه سهواً.