عبدالمحسن بن علي المطلق
يا أجمل أيام الزمان..
كلّ يتغير سواك، وكذا موعدك، إطلالتك..
الفرح بك..
فحسبك أنك «موسم» عزيز المكانة غزير العطايا، كفاك احتفاء نبي الله صلى الله عليه وسلم بمقدمك، فها هو يبشّر بك أصحابه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ: (أَتَاكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ).
والحديث قد حسنه الجوزقاني في «الأباطيل والمناكير» (473)، وقال الشيخ الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» (999): «صحيح لغيره».
فالبشرى بإطلالته كمن يخبر الفلاحين بموعد المطر، لأن سوقه قائم يعجب الزرّاع (للآخرة) ممن يذرعون كل سبيل فيه مغنم، ويتّقون مسلك منه مغرم..
رمضان.. يا فرحتنا إن أطّت الدنيا بمادّيتها سحائب القوم فتنقشع تلكم من إطلالتك..
فالليل للقلوب حياة بالقيام والنهار عمل وعبادة..
أي أن أوقاتك كلها ثمينة إن استلمتها أيادٍ أمينة.. مما لا يكاد يرى بريق ذهبها إلا من أحضر المعاني أعني (القلب وهو شهيد)..
ممن يبصر مقاصد الدنيا الزائلة بعين ليس بها رمد مطمع ولا عمش أهواء أو مشاه حبائله طويلةً.. تنتهي الحياة ولا تنتهي..
فكم من مات وحاجاته- منها- لم تنقض..
لكن أين ذاك الواعي الذي ما ان يسمع عن خير إلا وسارع إليه وأمله (إن لم يكن من أهله) أن يُحشر معهم..
ثم مما نبأ لأقلنا معارف أن الصالحين أكثر احتفاء بمقدمه، ولكن.. أتدرون!
لو وعى المقصرون لكان احتفالهم به مضاعفا، وتصوّر لو قيل لطالب راسبٍ (..الحمد لله، لأن لك دور ثان)..
بربكم أي دنيا ستسع فرحته عندئذ..؟
فحسبه انها عدا أيام (.. معدودات) يعزم بها على نفسه، بدلا من تكرار عام آخر!!
وبالمناسبة لا شك أن العام المنصرم تجرّعنا أسى الغياب عن بيوت الله وسماع ترتيل الآيات وهي تضجّ من المساجد وبالتأكيد أن تلكم لبلوى!!
وللزمان حتما مسرات وأحزان..
ومما أذكره.. أننا كم أزلفنا أيام تلكم.. والأمل يحدونا أن تزول الغمّة، والرجاء يومها قائم ان عسى إعلان العودة يتلاحق قبل العشر!
ثم ما إن حلّت العشر إلا وزاد رجاؤنا قبيل رحيل الموسم، لكن والحمد لله على كل حال/ رحل، والحال بقيت على تلك..
فهنا نذكّر حالنا اليوم (فلنتوكّل ولا نتواكل).. ومن ثم لنحمد الله على هذه.
إن الأمر أخفّ وطأة.. لكن (شريطة) أن نلتزم، فحسبنا ما بلغناه من ثقافة (وقاية) لهذا الداء..
وحتى لا نعود -اضطررا- لتلك الذكرى الأليمة، وقد تجرعناها بأسىً..
الصغير قبل الكبير، والمخدوم قبل الخادم، فكلن يومها بالهمّ شرقُ (أقصد سواء)..
ولأن كانت تلكم -الذكرى- تلذع درجة أنها توجع، لأن كل شيء برمضان تستسيغ ما يطرأ به، سواء البعد عن بيوت الله
ولولا الخوف من الأثقال بالعُتبى كل مرصد من أحدنا ما قد يضع يده على قلبه إذا أرهف لآية {كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ..}.
وحتى لا نُبعد شقّة الفهم، نجد الخليفة الزاهد عمر بن عبدالعزيز الذي سطّرت خلافته بمداد من الذهب، قد حكم المدينة -والحجاز- ست سنوات ثم عُزل، فاستشهد وهو يغادرها وهو يبكي مخافة أن يطوله قول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا)..
الحمد لله أننا لا ولن نصل بإذن الواحد الأحد هذه الدركة
فحسب الأمة ان بها من الخير والحضّ عليه بل التسابق تلقاء وجهته ما تسمع عن مشاريع خير ما أن يفتح باب المساهمة بأحدها إلا ومن قريب تُبلغ انها اكتفت..
فربي بيلغنا بهذا الشهر ما نرجو واجعلنا من أكثر عبادك منه نصيبا وموفورا..
وهنا تنبيه/
حول حديث: ((شهرٌ أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار)).
وهذا جزءٌ من نص طويل، هذا نصُّه:
((يا أيها الناس قد أظلكم شهرٌ عظيم، شهرٌ فيه ليلة خيرٌ من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضةً، وقيام ليله تطوعًا. مَنْ تقرَّب فيه بخصلةٍ من الخير كان كمَنْ أدَّى فريضةً فيما سواه..))، بيان حول صحته/:
الراوي: أبو هريرة، المحدث: الألباني، المصدر: السلسلة الضعيفة، الجزء أو الصفحة: 1569، حكم المحدث: (منكر).
لأختم
بما تمتلئ الاماني وتتكثّف من كثّ الدعاء
لكن حسبك الجوامع منه..
اللهم ارفع عنا البلاء، وأزح عن الأمة الإسلامية هذه الغمة يا رب العالِمينْ. ووفقنا اللهم للصيام والقيام
اللهم اجعل ما بقي من أعمارنا خيرٌ ممّا مضى ثباتاً على الحق
وبعلم نافع وعمل صالح وفلاح وسعة رزق، وصحة وعافية وهداية وتوفيق وحُسن خلق، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد
قفل/
مُباركٌ عليْكم شّهرُ رمضان