الهادي التليلي
أحياناً يكون الزمن ودوران أعوامه مدرسة من لا مدرسة له وأعني من توهم أنه فوق العلم والمعرفة وأنه علم كل شيء واكتمل، شهر رمضان الذي نراه يعبرنا وكأن دورته الفائتة بالأمس القريب في الحقيقة هو أحد الأشهر الهجرية ذات الفضل والكرامة من الوجهة الدينية حيث تنزل فيه القرآن ويشهد ليلة القدر وهو شهر يتعاود كل عام بنفس صفته وهيئته وجماله بينما الإنسان يعمر فترة من سيرورة هذا الشهر كله والسن التي يعيشها قبل مغادرة الفانية إلى العالم الآخر الإنسان صفحة من تاريخ يعبره رمضان المتعاود كل عام وحتى نكون منصفين أكثر نقول رمضان بحذف كلمة شهر لأنه أشهر لا عد لها بينما الإنسان يركب قطار رحلة عمره بخيلاء كأنما عقرب الساعة تتوهم أنها تدور في حرية بين أرقام الساعات والحال أن ميكانيزمات تسير دورانها وحركتها فالإنسان ليس ما يراه في مرآة نفسه وما يعتقده إنه في حركة الزمن مجرد مفردة من لوحة فسيفساء لا حد لها.
رمضان هذا العام يأتي ليفضح البشرية قاطبة لا الإنسان المفرد مسائلا إياها لماذا لم تنجح في تحدي كورونا الذي تركه فيه العام المنقضي لماذا لم يكمل الإنسان دورة العام الهجري من رمضان إلى رمضان دون أن يسجل الانتصار الذي يرد الاعتبار للإنسان في متاهة كورونا.
التباعد والإغلاق الشامل في أغلب بلدان العالم كان عنوان شهر رمضان للعام المنقضي فبماذا نعون رمضان هذا العام وبأي هوية سيقدم نفسه لهذا العام فكورونا اكتسحت كل أرجاء المعمورة دون تمييز والإنسان منشغل بما يراه أكثر أهمية كالحروب والفتن والقلاقل ورحلة في دوامة قتل الآخر متناسيا أنه هو الضحية الحقيقية لهذا الجنون وهذا الفشل في قراءة الواقع والتاريخ فالإنسان قطرة صغيرة تكاد تكون ميكروسكوبية في كوكب الأرض والسلاح الذي كان بالإمكان أن يقلب به المعادلة ونقل الضعف إلى قوة ونعني به الفكر توجه نحو ذبح الشريك في الحياة والعالم إنه الذي ينظر إليه رمضان وكل شهر لحظة تعاوده ويراه يقف في نفس النقطة من المتاهة.. إنه الفاشل في اختبار الوجود والمهدد في كل لحظة بإفناء نفسه.
رمضان شهر يتعاود والإنسان مفرد قد يشهد هذه اللحظة وقد يفنى إذا ما رفض الاعتبار أنها مشهدية وأنظولوجيا شديدة التأثير وفي كل لحظة يظهر آخر أو وهم آخر مختلف عن الإنسان وقد يكون صنيعته إنه العالم الزئبقي الذي لا يتعاود ولا يتكرر ولكن يحيا كما موجة البحر التي ليست أبدا سابقتها ولا لاحقتها فالآخر ليس بعيدا عنا إنه منا وفينا إنه البديل المناسب لكائن غير مناسب لبيئته وللطبيعة الجميلة التي ورثها ولم يحاول الإسهام في توريثها فإذا كان الراهن هو الأنا والوجود فإن الآتي قد يكون هو الآخر والعدم.
الآخر ليست الشرق بالنسبة للغرب ولا الغرب بالنسبة للشرق ولا الشمال بالنسبة للجنوب ولا الجنوب بالنسبة للشمال إنه العدم فكورونا درس عميق المعاني لم نتعلم منه فلو نظرنا إلى معطى بسيط وطريف أكثر البلدان التي توهمت النجاح في إنتاج لقاحات في هذا العالم هي التي تحصد الآن أكثر ضحايا وأموات من كورونا والسبب أن اللقاح الحقيقي لكورونا هو الوعي والثقافة واندثار القيم النبيلة التي يحب فيها الإنسان لغيره ما يحبه لنفسه كورونا لم تمت لأن الإنسان لم يتعلم التسامح والإيثار وحب الغير ولعل الحروب من أجل الكمامات سابقا والصراع من أجل الحصول على اللقاحات راهنا يؤكد هذا النهم الذي يستوى فيه إنسان ما قبل التاريخ مع الإنسان المعاصر في حيوانية نهمة.
يعود رمضان هذا العام واالبشرية لم تستطع أن تحمي عددا كبيرا من الكتاب والمبدعين والإعلاميين والأطباء والعلماء والطلاب وغيرهم الذين كان يمكن أن تستفيد البشرية من وجودهم أكثر ولكن أين الفكر وأين الوعي وأين القيم فكأنني برمضان وهو يعود يعزينا في وعينا الجمعي المتسامح الذي اندثر مثلما انقرض الديناصور ويسألنا متى سنتعلم من التاريخ.