د.إبراهيم بن عبدالله المطرف
اختتمت مقالتي السابقة «السعوديون ومجلس الأمن (1)» بالإشارة إلى اعتذار المملكة عن قبول عضوية مجلس الأمن، الاعتذار الذي لقي ترحيبًا وتفهمًا وتأييدًا دوليًا واسعًا لصواب وحكمة القرار، الاعتذار الذي وصف بأنه يصب في تحقيق الإصلاح المنشود في مجلس الأمن بشكل خاص، والأمم المتحدة بشكل عام.
وكانت الخارجية السعودية قد أصدرت بيانًا، بعد انتخاب المملكة عضواً غير دائم في مجلس الأمن، عبرت فيه عن امتنانها لجميع الدول التي منحتها ثقتها بانتخابها، مؤكدة بأن المملكة، وهي عضو مؤسس في منظمة الأمم المتحدة، تفتخر بالتزامها الكامل والدائم بمقاصد ومبادئ ميثاق الهيئة الدولية، إيماناً منها بأن التزام جميع الدول الأعضاء، التزاماً أميناً وصادقاً ودقيقاً بما تراضت عليه في الميثاق، هو الضمان الحقيقي للأمن والسلام في العالم. مضيفا البيان بأنه «إذا كانت الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، تعد الظفر بعضوية مجلس الأمن، شرفاً رفيعاً ومسؤولية كبيرة لكي تشارك على نحو مباشر وفعال في خدمة القضايا الدولية، فإن المملكة ترى أن أسلوب وآليات العمل وازدواجية المعايير الحالية في مجلس الأمن، تحول دون قيام المجلس بأداء واجباته وتحمل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم العالميين».
وأكّدَت الخارجية السعودية في بيانها عجز الأمم المتحدة وفشل مجلس الأمن، حيث جاء في البيان «بأن بقاء القضية الفلسطينية دون حل عادل ودائم لـ65 عاماً، والسماح للنظام السوري بقتل شعبه وإحراقه بالسلاح الكيماوي دليل ساطع وبرهان دامغ على عجز المجلس».
وأوضحت بأن جميع الجهود الدولية التي بذلت في الأعوام الماضية، والتي شاركت فيها المملكة بكل فعالية، لم تسفر عن التوصل إلى الإصلاحات المطلوب إجراؤها، لكي يستعيد مجلس الأمن دوره المنشود في خدمة قضايا الأمن والسلم في العالم، مضيفة بأن فشل مجلس الأمن في جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل، سواء بسبب عدم قدرته على إخضاع البرامج النووية لجميع دول المنطقة دون استثناء للمراقبة والتفتيش الدولي، أو الحيلولة دون سعي أي دولة في المنطقة لامتلاك الأسلحة النووية، ليعد دليلاً ساطعاً وبرهاناً دامغاً على عجز مجلس الأمن عن أداء واجباته وتحمل مسؤولياته.
وجاء في البيان أنه بناء على ذلك «فإن المملكة، وانطلاقاً من مسؤولياتها التاريخية تجاه شعبها وأمتيها العربية والإسلامية، وتجاه الشعوب المحبة والمتطلعة للسلام والاستقرار في جميع أنحاء العالم، لا يسعها إلا أن تعلن اعتذارها عن عدم قبول عضوية مجلس الأمن حتى يتم إصلاحه، وتمكينه فعلياً وعملياً من أداء واجباته وتحمل مسؤولياته، في الحفاظ على الأمن والسلم العالميين.
ولم تقف المملكة في «مواجهتها» لخطر انتشار أفكار التطرف والعنف السياسي عند حدودها الجغرافية والسياسية، ولم تقتصر في التصدّي لاتّساع ظاهرة الإرهاب التي شملت معظمَ دول العالم، على ساحة المنظمات الإقليمية والآليات العربية، بل امتدّت إلى كل مكان، واتجهت إلى كل ساحة، وفي مقدمتها الساحة الدولية، ممثلة بالأمم المتحدة.
وإيماناً من المملكة بأن تعزيز وتفعيل التعاون بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من جهة، والمنظمات الدولية والوكالات الإقليمية من جهة أخرى، في مواجهة ظاهرة الإرهاب، ضرورة ملحّة للتصدي للإرهابيين ومخططاتهم التي لا يمكن تبريرها، أو ربطها بعرق أو دين أو ثقافة، بل إنها تتعارض مع تعاليم الديانات السماوية، التي تدعو إلى التسامح والسلم والاحترام، وتحرم قتل الأبرياء.
وإسهامًا من المملكة بالدفع قدما بالتعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب، فقد عقد في المملكة مؤتمرًا دوليًا لمكافحة الإرهاب في فبراير 2005، حضره خبراء ومختصون من أكثر من 60 دولة ومنظمة دولية وإقليمية، تقدمت خلاله المملكة إلى الأمين العام للأمم المتحدة وحكومات الدول المشاركة، باقتراح استصدار قرار من الجمعية العامة، بتبني إعلان المؤتمر والتوصيات الصادرة عنه، خاصة مقترح إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب، وتشكيل فريق عمل من مختصين من لجنة مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة ومن الدول المشاركة في المؤتمر، لدراسة التوصيات ومقترح إنشاء المركز ووضع الخطوات التطبيقية لها، وتقديمها إلى الجمعية العامة في دورتها 61، للعام 2006م.
وقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع، قراراً يدين الإرهاب بكافة أشكاله وصوره، ويحدد إستراتيجية شاملة لمكافحته، تقوم على احترام حقوق الإنسان، ودولة القانون. كما تم تدشين مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب. ورحبت المملكة بتلك الخطوة، وأعلنت مساهمتها بمبلغ عشرة ملايين دولار لتغطية ميزانية المركز لثلاث سنوات، مؤكدة مساندتها لكل ما يبذل من جهود لمكافحة الإرهاب.
إضافة لذلك، لم تقتصر سياسة المملكة على التعامل أمنيًا مع ظاهرة الإرهاب، بل اتسمت سياستها بالشمولية في التعامل مع الفكر الضال المؤدي إلى الإرهاب، وقطع كل سبل التمويل عنه.
واستجابة لدعوة المملكة، وبرعاية واهتمام خاص من المغفور له بإذن الله تعالى الملك عبدالله بن عبدالعزيز، إلى عقد اجتماع عالي المستوى للحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات، عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في مقر المنظمة في مدينة نيويورك في نوفمبر 2008 اجتماعا على مستوى الزعماء وممثلي الحكومات من مختلف دول العالم، للحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات.
ونختم بالقول بأن للمملكة مواقف تاريخية مشرفة عبر منابر الأمم المتحدة، فقد كانت المملكة ولا تزال، تدعو إلى كل ما فيه خير البشرية جمعاء، إذ دعت إلى حماية حقوق الإنسان، وسيادة القانون، ونشر السلام، ومبادرات الحوار فيما بين الثقافات والشعوب، وقد عدت المملكة هذه عناصر أساسية في أي إستراتيجية فاعلة لمكافحة الإرهاب والتطرف، وأكدت أن احترام قرارات الشرعية الدولية ومبادئها، هو السبيل الوحيد لحل النزاعات الدولية المزمنة، والقضاء على بؤر التوتر، ومشاعر اليأس والإحباط التي تعانيها الشعوب، بسبب التعرض للظلم والعدوان والاحتلال.