د. عبدالرحمن الشلاش
الحكماء على مر الأزمنة يوجهون من خلال تصرفاتهم وكلامهم رسائل ذات معان تربوية عميقة ومدلولات تدرس للأجيال. أذكر في بداياتي في التعليم كان يزور المدرسة ذات يوم أحد المشرفين التربويين المخضرمين وفي نهاية الزيارة جمع المعلمين ليعطي ملاحظاته في جلسة اجتماع ودية. دار الحديث حول موضوعات كثيرة وسمح المشرف للمعلمين بطرح وجهات نظرهم حول أساليب التدريس ومستويات الطلاب العلمية وسلوكياتهم وفجأة علَّق أحد المعلمين مبدياً تذمره من سلوكيات بعض التلاميذ ومشاغباتهم وكثرة حركتهم مما يفقده السيطرة عليهم في أوقات كثيرة وقد يؤثِّرون على زملائهم ويحرمونهم من فهم الدروس. المشرف رد بسرعة بديهة أن الطلاب ما زالوا صغاراً وهم في عمر لا يسمح لهم بأن يتصرفوا مثل الكبار ويحتاجون لكثير من التوجيه. ثم قال للمعلم أنت نفسك عندما كنت في عمرهم ربما شاغبت وشاكست أكثر منهم فعلَّق مدير المدرسة وهو يعرف المعلم جيداً لأن عائلة المعلم تسكن قريباً من منزله أن راشد وهو اسم المعلم كان كثير الشغب في الحارة آنذاك على حد تعبير المدير.
ضحك الجميع مؤكدين على صحة كلام المشرف وبعد نظره واتفقوا على أن الطلبة يحتاجون للاحتواء والاستماع لمشكلاتهم للمساهمة في حلها وأن الطلاب يمرون بمراحل متتابعة تستدعي بذل الجهد من المعلمين وتوجيه رسائل تربوية غير مباشرة تسهم في تطوير سلوكيات الطلاب للأفضل.
عندما كنت طالباً في المرحلة الابتدائية أذكر زار المدرسة أحد المشرفين وحضر معنا أحد الدروس. عندما أخطأ المعلم في معلومة ما بادر المشرف إلى تصحيحها دون أن يشعر الطلاب وقال إن المعلم كان يقصد غير ما فهمه الطلاب وضرب أمثلة شارك فيها المعلم فوجه رسالة تربوية غير مباشرة للمعلم أدت الغرض ببراعة فائقة.
نحن بالفعل في مدارسنا بحاجة لمثل تلك الرسائل التي توجه بحكمة ودون تجريح أو تشنّج وتؤدي الغرض.