عبدالوهاب الفايز
الأسبوع الماضي سيدخل التاريخ على أنه (أسبوع الطاقة المتجددة)، ولعله يتحول إلى مناسبة سنوية نحتفل فيها بالمنجزات الجديد لـ(مبادرة الملك سلمان بن عبدالعزيز للطاقة المتجددة)، إحدى مبادرات (رؤية المملكة 2030). فتحت رعاية الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس اللجنة العليا لشؤون مزيج الطاقة لإنتاج الكهرباء وتمكين قطاع الطاقة المتجددة افتتح وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان مشروع محطة سكاكا للطاقة الشمسية، الذي يعد بداية مشروعات الطاقة المتجددة في المملكة، وتبلغ سعته الإنتاجية 300 ميغاواط.
الأهم أيضًا أنها بتمويل ومشاركة مع القطاع الخاص، وتؤكد أن القطاع الخاص السعودي بما تجمع له من خبرة طويلة في المشروعات العملاقة قادر على مواكبة التحديات الاقتصادية، وسيكون شريكًا قادرًا وفاعلاً.
هذه المشروعات - كما قال الأمير عبد العزيز بن سلمان - لها آثارها العديدة لتعزيز قدرات المملكة في إنتاج الكهرباء لتلبية الاحتياج الوطني، وتدعم خطط المملكة الطموحة لتصبح رائدة لإنتاج وتصدير الكهرباء باستخدام الطاقة المتجددة. والأهم في تصوري ما أشار إليه، وهو أنها سوف (تعزز السعي لتوطين صناعة مكونات إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتطوير تقنياتها، وتمكين الكفاءات العاملة في القطاع).
هذا التوجه الاستراتيجي لتوطين صناعة الطاقة البديلة هو الأمر المهم الذي نحتاج إلى التركيز عليه لتحقيق التكامل لمنظومة الطاقة في المملكة. تبني هذا الهدف ضروري حتى لا نكرر الأخطاء السابقة. لدينا حالة تقنية تحلية المياه المالحة. لقد كانت المملكة الرائدة في استخدام هذه التقنية وأنفقنا أموالاً طائلة لإنشاء المحطات، ولكن مع الأسف لم نستفد من هذا الإنفاق لتوطين الصناعة وبناء خبرة تمكننا من التحول إلى مستثمرين عالميين في تحلية المياه.
بالنسبة لمشاريع الطاقة الشمسية جاء التوطين في مقدمة المستهدفات، فخلال حفل التدشين قال محمد أبو نيان رئيس مجلس إدارة شركة أكواباور السعودية: «إن التوطين في المحطة بلغ نحو 100 في المائة في إدارتها وصيانتها وتشغيلها. وهذا مؤشر لنقل التقنية وتوطينها». أيضًا هذه المشاريع لها آثارها الإيجابية المتعدية إلى المحتوى المحلي، وتنمية المجتمعات المحلية، والأجمل أنها ستكون مثيرة لخيالات الصغار والشباب في المناطق القريبة منها، وسوف تجذبهم إلى الاهتمام بالعلوم والتقنيات الحديثة.
أيضًا هذه المشاريع سوف تجعلنا نشعر بأننا نتجه إلى المستقبل برؤية واضحة وأكثر تحسبًا للمخاطر التي سوف تترتب على تطورات الأوضاع العالمية الواسعة في الاقتصاد والسياسة وتقنية المعلومات والاتصالات والذكاء الصناعي. تنويع مصادر الدخل والاتجاه إلى عدم الاعتماد على النفط، وأيضًا تنويع مصادر استهلاكنا للطاقة عبر تبني مزيج الطاقة السعودي، توجُّه حكيم، ويستعد لاحتمالات المستقبل. إنه توجه يتيح لنا المرونة في التعامل مع عوامل العرض والطلب في أسواق النفط العالمية، فارتفاع الأسعار يعطي الفرصة لتوجيه إنتاج النفط إلى الأسواق الخارجية مما يعزز المكانة السياسية والاقتصادية للمملكة.
أيضًا يمنحنا الفرصة لبحث خياراتنا الاقتصادية الاستراتيجية والجيوسياسية، وأبرز الخيارات أهمية مراجعة بيع النفط بالدولار، فربما نحتاج إلى التفكير الجدي بـ(سلة العملات). لدينا حقائق واقعية من أبرزها المشاكل الهيكلية في الاقتصاد الأمريكي، واحتمالات تطور نزاع أمريكا مع الصين وروسيا، وعدم جديه الإدارات الأمريكية في التعامل مع الدين العام، والاتجاه إلى تبني نسبة فائدة متدنية خوفًا من انهيار أسواق المال، واستمرار الاعتماد على السياسات الكمية لتوفير السيولة.
كل هذه العوامل سوف تؤدي إلى استمرار انخفاض قيمة الدولار. هذا الانخفاض يقدم على أنه السبب في ارتفاع أسعار الأسهم الأمريكية إلى معدلات قياسية تدفع المراقبين والمحللين إلى أن الفقاعة القادمة ستكون (أم الفقاعات)! هذه العوامل سوف تغير بشكل كبير مكانة الدولار التي اكتسبها في العقود الماضية. لقد كان شبه مستقر، ولم تكن هناك حالات مزعجه للأسس التي يقوم عليها الاقتصاد الأمريكي، وأيضًا السياسات والتوجهات الحكومية المحلية والداخلية الأساسية كانت مستقرة بعكس الوضع الحالي، فكل رئيس ينقض ما فعل سابقه مما يجعل الأصدقاء والحلفاء غير قادرين على التعامل مع أمريكا، أو التنبؤ بما سوف تفعل.
هل أمريكا لها مصلحة في تراجع قيمة الدولار؟ في التسعينيات كانت اليابان المنافس الاقتصادي القوي لأمريكا، وضعف الدولار أدى إلى إضعاف صادرات اليابان، وأعطى الفرصة للصادرات الأمريكية لبناء حصة سوقية جديدة. هل أمريكا تلعب هذه الورقة من جديد؟ الإجابة صعبة طبعًا لأن الأمر أكثر تعقيدًا، ولأن العالم يتشارك مع أمريكا في الخوف على وضع الدولار. المشكلة هي في (حالة التدمير الذاتي) الذي يراه العالم للدولار!
المستثمرون والسياسيون الأمريكان هم أكثر من يناقش وضع الدولار، وهم الأكثر خوفًا عليه، ونحن نشاركهم المخاوف والمخاطر.