د.إبراهيم بن عبدالله المطرف
كانت المملكة ولا تزال، تدعو في كل مناسبة دولية ومحفل عالمي، إلى تغليب صوت العقل والحكمة في معالجة الأزمات، وإلى الإصلاحات الجادة التي تكفل حقوق وكرامة الإنسان، وإلى الحرص على الأمن والاستقرار، وإلى الحفاظ على وحدة الدول واستقلالها، مطالبة مجلس الأمن ولأكثر من مرّة، بممارسة دوره القانوني وتحمّل مسؤولياته الأخلاقية.
وإيمانًا من المملكة، بأن التزام الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة التزام أمين وصادق بما تراضت عليه في الميثاق، هو الضمان الحقيقي للأمن والسلم العالمي، فقد اعتذرت المملكة عن قبول عضوية مجلس الأمن، حتى يتم إصلاحه ليؤدي واجباته ويتحمّل مسؤولياته في الحفاظ على الأمن والسلم العالميين. وقد جاء ذلك الاعتذار بالكثير من ردود الفعل الإيجابية، فقد كان موقف المملكة واضحًا وشفافًا، من خلال تأكيدها على «إن ثقة العالم بالأمم المتحدة قد اهتزت».
ونتيجة لذلك، بدأت إرهاصات لأزمة دارت في الخفاء بين المملكة والأمم المتحدة ممثلةً بمجلس الأمن. ويرى الخبراء المعنيون بشؤون الأمم المتحدة، بأن الأزمة بين المملكة والأمم المتحدة مرّت بمراحل عدة. كان أولها في 2009، عندما عقد مجلس الأمن جلسة طارئة لبحث العدوان الإسرائيلي على غزة الذي استمر 22 يوماً. وقد جسد الفقيد سعود الفيصل، وزير الخارجية السابق -رحمه الله- في كلمة للمملكة أمام مجلس الأمن، موقف المملكة المتمثل في «أن يتعامل مجلس الأمن مع القضايا الشرعية العربية بجدية ومسؤولية ترتكز على مبادئ القانون الدولي»، أو كما قال -رحمه الله- «إننا سندير ظهورنا ونقرّر خياراتنا».
وجاءت المرحلة الثانية في ضوء استمرار تجاهل مجلس الأمن للقضايا العربية والإسلامية، فقد أدرجت الأزمة في سوريا على جدول أعمال مجلس الأمن، إلا أن قرار المجلس اصطدم بالفيتو الروسي - الصيني، ما أدى إلى تعبير المملكة عن استيائها من المنظمة الدولية.
ومع استمرار السلبية وتجاهل قضايا العالم الإسلامي، خصوصاً في فلسطين والوضع في سوريا، أتت المرحلة الثالثة، التي حذَّرت المملكة خلالها مجلس الأمن، مرة ثانية وبصراحة تامة، بأنها «ستدير ظهرها له».
وفي هذا الصدد، جاء على لسان الملك سلمان بن عبدالعزيز -سلّمه الله- في كلمة ألقاها في القمة الإسلامية بالقاهرة «وكان وليّا للعهد آنذاك» أن «مجلس الأمن هو الكيان الدولي المعني بتحقيق الأمن والسلم الدوليين، وإننا إذا فشلنا في جعله يهب لنصرة الأمن والسلم، في كل من سورية وفلسطين ووقف أعمال العنف التي تمارس ضدهما، فعلينا «أن ندير ظهورنا له» و»أن نعمل على بناء قدراتنا لحل مشاكلنا بأنفسنا».
وفي المرحلة التي تلت ذلك، جددت المملكة تعبيرَها عن الاستياء من مجلس الأمن، إذ رأت المملكة أن أسلوب وآليات العمل وازدواجية المعايير، تحول دون قيامه بأداء واجباته وتحمّل مسؤولياته، الأمر الذي أدى إلى استمرار اضطراب الأمن والسلم، واتساع رقعة المظالم، واغتصاب الحقوق، وانتشار النزاعات والحروب.
وقد لقي قرار المملكة بالاعتذار عن قبول «كرسي» مجلس الأمن تفهمًا دوليًا، وترحيبًا إسلاميًا وتأييدًا عربيًا واسعين. فقد رحب مجلس التعاون لدول الخليج العربية بموقف المملكة «التاريخي» بشأن إصلاح مجلس الأمن، فيما أعربت فلسطين عن امتنانها لموقف المملكة ودعمها للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وأعربت جامعة الدول العربية عن تأييد القرار السعودي الحكيم، مؤكدة أهميته في تحقيق الإصلاح المنشود في مجلس الأمن.
وجاء في بيان أصدرته الأمانة العامة لمجلس التعاون «إنه على الرغم مما تحمله عضوية مجلس الأمن من مكانة دولية، فإن اعتذار المملكة عن قبول عضوية المجلس بسبب عجزه عن أداء واجباته وتحمّل مسؤولياته خصوصاً تجاه قضايانا العربية، ينطلق من اهتمام المملكة التاريخي بهموم وقضايا أمتها العربية، والاستقرار العالمي».
وقد ساندَت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الموقفَ السعودي، وأيّدته تأييداً قوياً داخل أروقة الأمم المتحدة وخارجها. ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر الموقف الكويتي، حيث أعربت الكويت أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة، عن أملها في أن تشهد الجمعية العامة للأمم المتحدة تقدماً ملموساً في تحقيق إنجاز تاريخي بإصلاح مجلس الأمن، وتفعيل دوره وتحسين أدائه».
وقد أكدت المملكة على أنه «في الوقت الذي تتضح فيه الحاجة الماسة إلى اتخاذ مواقف حاسمة تسهم في دفع عملية إصلاح مجلس الأمن، ووجود إجماع بين الدول الأعضاء على مبدأ التغيير والإصلاح، إلا أنها لا تزال غير قادرة على التوصل إلى فحوى التغيير المطلوب اتخاذه»، مؤكدة الكويت أيضًا، على «أهمية التوصل إلى اتفاق عام تصادق عليه كافة الدول الأعضاء بشأن أي مقترحات تتعلق بتوسيع مجلس الأمن وإصلاحه» وداعية إلى «مواصلة العمل على تحسين عمل مجلس الأمن من خلال إضفاء المزيد من الشفافية والوضوح».
وللحديث عن «السعوديون ومجلس الأمن» بقية ...