علي الخزيم
إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية المتنوعة مما يُعتد به بقياس رأي المجتمع وردود الأفعال ورجع الصدى، وتناقل الشائعات سلبها وإيجابها؛ فإن مما يُتناقل هذه الأيام مسألة التراويح بالمساجد، وحين تقول فئة من المغردين والمُدوِّنين والمُتحدثين عبر غرف المحادثات الجماعية: إن مبالغات تُنشر بشأن حجم تفشي الجائحة الكورونية مما يؤثر في اتخاذ قرارات بتعليق الصلاة ببعض المساجد، وكذلك التراويح، وكأنهم يشيرون بحذر وحسابات مُحددة إلى أن الأمر قد يصل إلى حد افتعال نشر أرقام مبالغ بها لإقناع الرأي العام والتمهيد له لقبول قرارات تتعلق بالصلاة بالمساجد والتراويح خلال الشهر الكريم، وهذا - لعمري - رأي وتوجُّه لا يتفق مع واقع الحال بمملكة الإنسانية، ولا يمكن أن ترضى به قيادة حكيمة حازمة متدينة على رأسها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده أيدهما الله، ويبدو أن جُل أصحاب تلك الآراء (الشاطِحَة) من (المُدرعمين) المُغرر بهم ممن ينقادون خلف أقاويل وشائعات تنشرها وتروِّجها مجموعات يمكن تصنيفها إلى فريقين؛ الأول المندفع المتحمس بتدينه بلا قاعدة علمية راسخة ولا تمكُّن فقهي يسعفه لإدراك واقع المجتمع ومآلات أحواله، والمقاصد الخَيِّرة بعون الله التي تتخذها جهات الاختصاص لحماية المجتمع من فتك الوباء، وفئة ثانية ربما انها مِمَّن يتأثر بالأبواق الخارجية التي لا تترك أي إجراء أو قرار يصدر هنا بمملكة العزم والحزم إلَّا اخضعته للتشريح السَّيء بحثاً عن أي مَثلَبة أو ثغرة تنفذ منها لعقل المواطن الطيِّب الذي قد يُصدِّق طرحهم السفيه ويميل للاستماع لخرافاتهم اللاحقة، وإن لم يجدوا ما يشوهون به القرار ابتدعوا - بما تمالؤوا عليه من خبث - ما عساه أن يُحقق مساعيهم الشريرة، فهذه الفئة لا تريد للمجتمع الخير والتقدم، لغايات شيطانية مكبوتة تغذيها أجندات خارجية تستخدمهم كأدوات غير نزيهة.
وكان سماحة مفتي عام المملكة قد قال ضمن فتوى سابقة بهذا الشأن: (إنه في حال تعذر إقامة صلاتي التراويح والعيد في المساجد بسبب الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الجهات المختصة لمكافحة انتشار جائحة كورونا المستجد، فإن الناس يصلونها ببيوتهم تحصيلاً لفضيلة قيام ليالي رمضان)، وضمن حديث لفضيلة الشيخ صالح الفوزان حول الموضوع قال: (صلاة التراويح سنة مؤكدة وليست واجبة فلو تركها الإنسان فلا إثم عليه لكنه إذا فعلها فإنه ينال خيرًا كثيرًا وثوابًا جزيلاً لمن صلحت نيته وخلصت سريرته لله عز وجل، فهي سنة مؤكدة وفعلها في المساجد وفعلها جماعة أفضل، ولو صلَّاها في بيته فلا بأس بذلك).
ومما قرأت؛ فإن إجابة سماحة المفتي قد جاءت بوقت اشتد فيه اللغط حول صلاة التراويح وأهمية إقامتها، وتحريض البعض على إقامتها جماعة ولو في الخفاء، وأنها أمر ضروري لا يتم الصوم إلا بها، فهذا البعض - هداهم الله - وبدون وعي كافٍ يُروجون الشائعات مع ازدياد آثار جائحة كورونا حول مسألة فتح المساجد من عدمها، وتزداد اقاويلهم مع إقبال الشهر الكريم فيما يتعلق بالتراويح والتهجد، وفي ذلكم إثارة لمشاعر البسطاء وتجييش عواطفهم دون حساب للعواقب السيئة المترتبة على هذا التوجه.