إبراهيم بن سعد الماجد
شهر أيامه كعدد أيام أشهر السنة، بساعاته ودقائقه وثوانيه، لكن البركة ضاعفت من كل ثانية تمر، وكل دقيقة تأتي، فكان الأجر المضاعف، وكانت الليلة العظيمة، ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر. شهر رمضان كان حاضرًا في الأدب العربي بنثره وشعره، منذ أن فرض على هذه الأمة.
الشاعر المدني عبدالقدوس الأنصاري -رحمه الله- يستقبل هذا الشهر بقوله:
تبديت للنفس لقمانها
لذاك تبنتك وجدانها
وتنثر بين يديك الزهو
ر تحيّيك إذ كنت ريحانها
فأنت ربيع الحياة البهي
ج تُنضّر بالصفو أوطانها
وأنت بشير القلوب الذي
يُعرّفها الله رحمانها
فأهلاً وسهلاً بشهر الصيَّا
م يسل من النفس أضغانها
وصدق عندما قال: فأنت ربيع الحياة البهيج، فكم من البهجة والسرور يغمر قلوب العارفين بعظم هذا الشهر، وعظم لياليه، فكم من معتق من النار، وكم من مرحوم، وكم من مهتدٍ.
وللشاعر محمد إبراهيم جدع أبيات في هذا السياق تقول:
رمضان يا خير الشهو
ر وخير بشرى في الزمان
ومطالع الإسعاد تر
فل في لياليك الحسان
ومحافل الغفران والتْ
تقوى تفيض بكل آن
ومجالس القرآن والذْ
ذكر الجليل أجلُّ شان
الأدب نثرًا وشعرًا كان حاضرا في هذه المناسبة منذ أن فرض الصيام على هذه الأمة، وما ذلك إلا لعظم فضله، ولما يشعر به الناس من بهجة وسرور حال مقدمه، الذي تأتي معه الخيرات، والقربات، والتواصل، والتسامح، وغفران الزلات.
ولم يقتصر هذا الاحتفاء على الشعراء المسلمين، بل كان للشعراء غير المسلمين احتفاء بهذا الشهر، وهذا هو الشاعر النصراني جاك صبري شماس يرحب بشهر رمضان:
أطللت وجهًا مشرقًا ريانا
وغمرت أفئدة الشعوب حنانا
وسموت بالأنداء ترفل بالشذا
وتسيل في ثغر الورى قطرانا
عاودتَ برَّك والوفاء يشدني
لأصوغ من حلل القريض جمانا
يا خير شهر قد تنزل بالتقى
يهمي خصالا ينشد الفرقانا
تاج يزين شهور عام بالسَّنا
ويخط سفرا شامخا ومصانا
شعور الناس بدياناتهم كافة بهيبة هذا الشهر، وقداسته، وروحانيته، لم يأتِ من فراغ، بل مما يظلله من روحانية تجعل من عموم الناس يعيشون أجواء كلها طمأنينة فريدة، وسكون يغشى نهارهم، مما يؤلف بين قلوبهم.
الشاعر الأندلسي ابن الصباغ رحب بمقدم هذا الشهر قائلاً:
هذا هلال الصوم من رمضان
بالأفق بان فلا تكن بالواني
وافاك ضيفًا فالتزم تعظيمه
واجعل قراه قراءة القرآن
صمه وصنه واغتنم أيامه
واجبر ذما الضعفاء بالإحسان
ولموائد الإفطار نصيبها في الشعر العربي. وهذه أبيات طريفة نابعة من سفرة الإفطار:
ومالي أرى وجه الكنافة مغضبا
ولولا رضاها لم أرد رمضانها
ترى اتهمتني بالقطائف فاغتدت
تصد اعتقادا أن قلبي خانها
وقد قاطعتني ما سمعت كلامها
لأن لساني لم يخاطب لسانها
قلت: الصيام قصة إيمان.