صيغة الشمري
لم أكن البكر ولا آخر العنقود كنت الثالثة بالترتيب، لم أكن الفتاة المدللة بل بالعكس كنت أشعر بالمسؤولية منذ الصغر، كان والدي يعتبرني القارئ الصغير لوصفة الدواء التي بالداخل وذلك لصغر الخط، كان يناديني عندما يعود من عمله ظهراً لأقرأ له الصحف التي أحضرها من مكتبه رغم وجود أخوة أكبر وأصغر مني لكنه يختارني أنا، وكنت أقرأ أخبار سياسية لا أفهمها وأنا أقرأ أنطقها خطأ ويصحح لي، وأحياناً تعترضني كلمة لا أفهمها أسأل والدي عنها فيفرح إذا سألته أتذكر كلمة (مراقبته عن كثب) عندما قرأتها ولم أفهمها سألته فقال بلهجته العامية مفسراً (يعني يراقبه وهو لا هو قريّب ولا بعيد). كان يناديني لأكتب له بعض أشعاره المتناثرة وكان يصحح لي حرف الكاف واللام والميم، حتى حفظت أشعاره عن ظهر قلب وأصبحت أفهم القافية وبالتدريج الوزن...
حتى بالمدرسة عندما تواجهني مشكلة لم أكن أذهب لأمي مثل أخواتي كنت أذهب لأبي، كان يوبخني إن كانت المشكلة فيها ضياع حق لي أو السكوت عن خطأ، تعلمت منه أن أحصل على ما أريد بكل الطرق المباحة، علمني أن أستخدم عقلي أكثر من قلبي..
وحتى عندما أنجح أطلب منه مكافأة يفاجأني برده أن النجاح بحد ذاته مكافأة وهدية لك لأنها خطوة للصعود لسلم المجد رغم صغر سني لكني كنت أستوعب الدرس جيداً.
وعندما أصبحت بعمر الشباب وعملت أول وظيفة لي كان داعماً لي ولاختياري لم يأبه لمن انتقد عملي بمكان مختلط آنذاك، بل كان المشجع والفخور بي.
جملته التي لا أنساها ما حييت (أنا موجود لأساعدك إذا أخطأتي لنصلح الخطأ) لا تخجلي من خطأك أمامي لأن هذا دوري..
أنا صنيعة والدي العجينة التي شكلها لتكون بهذه الصورة.
وعندما عملت واجهت بعض العقليات المختلفة عن بيئتي وتربيتي، واجهت بعض العنصرية أحياناً والتنمر أحياناً أخرى لكوني سيدة خضت مهنة كانت السيدات فيها قلة، أمنع من الحضور في محفل يكون من ترتيبي وبرعاية الجهة التي أعمل بها لمجرد أني سيدة! وبعض الجهات الحكومية ترفض أن يوجه خطاب باسمي لأني سيدة، ومن المواقف التي لا أنساها ما حييت موقف أحد مدراء الموارد البشرية عندما أتيته أسأل عن سبب تأخر ترقيتي قال لي بالحرف الواحد احذفي اسم القبيلة إذا كنت طموحة وتسعين لمكانة أعلى!!! كانت هذه الكلمة كالقنبلة التي انفجرت في رأسي وقتها وقلت سأصل وباسمي كما هو ولا يصح إلا الصحيح وخرجت من مكتبه أسأل نفسي لماذا شخص لديه هذا الفكر العنصري يكون هنا !!!؟
مواقف كثيرة لا أستطيع ذكرها جميعها لكنها محطات ذكرني بها سؤال للزميل الكاتب محمد الحمزة لو كتبت مذكراتك الشخصية ماذا سيكون اسم الكتاب؟