مها محمد الشريف
يبدو لنا الكون متسقاً للغاية على المقياس الذي نشاهده ومتماثلاً في كل الاتجاهات، والأمر هنا متطابقاً مع رؤية سمو ولي العهد حيث تجدد السعودية التزامها بالحفاظ على التراث العالمي باستراتيجية تطوير العلا، وتسعى للمساهمة في الناتج المحلي بـ120 مليار ريال، فقد استند مخطط «رحلة عبر الزمن» على دراسات علمية مكثّفة حول الأنماط البشرية والتطور البيئي والجيولوجي في العُلا، والتي أشرف عليها فريق من الخبراء السعوديين والدوليين على مدى ثلاث سنوات، مدينة العلا ستكون أيقونة في عالم السياحة العالمية بعد أن أطلقت المشاريع الضخمة وهو ما يعد إضافة لركائز السياحة في المملكة وتغطي الجانب التراثي المتعلق بالآثار العالمية والتي لها رواد كثر في العالم، كما أنها تمثل تعزيزاً للروابط التاريخية بين المملكة وبلاد الشام ومصر حيث تمتد هذا الحضارات بين هذه الدول مما يضيف إثراء كبير لتاريخنا ويضعنا بين مصافي الدول التي تعد وجهة للسياحة العالمية وهذا ما ينعكس على اقتصاد المملكة حيث تعد من القوى الناعمة التي تعرف العالم بنا وبالفرص الاستثمارية الكبيرة التي تولدها رؤية 2030.
وإن قوانين العلم لا تميز بين الماضي والمستقبل بمعنى أن قوانين العلم لا تتغير فكل ملف يحمل أحداثاً تاريخية، من حيث المعرفة والموضوعية التي تقرب الصورة، وتسعى المملكة لتحقيق مفهوم التعايش مع الطبيعة والاحتفاء بالإرث الثقافي والتاريخي للمحافظة، وسيسهم المخطط في تحقيق ذلك من خلال الترحيب بمليوني زائر سنويًا وتعزيز الزراعة والفنون والثقافة باعتبارها قطاعات اقتصادية رئيسية إلى جانب القطاع السياحي. وكجزء من هذا التطوير، تستهدف الهيئة الملكية لمحافظة العُلا وشركاؤها إنشاء أكثر من 9000 غرفة فندقية بحلول عام 2035.
فمن الثابت أن هيئة العقل تتعامل مع الحقب الزمنية الحديثة بمرونة ومشروعية أكبر، لما لها من تقارب وقتي وواقع علمي، تقني، مهما اكتظت به الخيارات وفاقت التصور، فالصورة التاريخية اليوم تختلف عن سابقتها فيجب استثمار رؤية الإنسان الجديدة لها، وعلى ما يبدو أن واقع التطور والناس اليوم في تسارع مستمر أفقدها السيطرة على تحرر الجميع من دهشة الحداثة وترك ترسانة التاريخ مغلقة، رغم اجتماع الناس حول العظماء، كتصور محدد لا يتعدى كونه وسيلة لفهم بعض من رموز التاريخ القديم، ومن هنا تبدأ الرهانات على الإنسان وعلاقته بالماضي، ثم يخبرنا ماركس قائلا: (يتقدم التاريخ بفعل التناقض القوي بين قوى الإنتاج، وينتهي هذا التناقض بميلاد جديد، وبالتالي تاريخ جديد).
وهذا ما أردنا تقديمه حول الملف الذي طُرح لمخطط «رحلة عبر الزمن»، باهتمام ولي العهد رئيس مجلس إدارة الهيئة الملكية لمحافظة العُلا، ومتابعة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، محافظ الهيئة الملكية لمحافظة العُلا، ويتكون من 3 مراحل رئيسة، ومن المقرر أن تكتمل أولى مراحله بنهاية عام 2023
على أساس أن لكل عصر تاريخاً جديداً، إذ لا بد من كتابته بأسلوب جديد وتقنية أيضاً جديدة، لأن الأجيال الحاضرة تمتلك أدوات أكثر تقنية فهي الصانعة، وهي التي تعتد برسالتها مهما كان الارتباط بالماضي، فالعلم اليوم هو الباعث والمسيطر على كتابة هذا التاريخ دون وسيط، ثم يأتي بعد ذلك كيفية تحديد دور الإنسان في هذه الكتابة، وخضوعه للمستجدات ومواكبة الضرورة، مما جعله يتأطر ضمن ملف محدد، وعلاقات متداخلة، تشاركه في ذلك القيم والغايات، ومفارقات عجيبة تبقيه ردحاً من الزمن في قبضة ذلك الماضي لكي يعمد إلى بناء مشروعية الحاضر بآفاق جديدة، ويبقى السؤال حاضراً في كل الأذهان، ما فائدة التاريخ بالنسبة للحاضر إن لم تُطور كتابة هذه الوثيقة..؟ سؤال ردده الكثير من العلماء والفلاسفة وعامة الناس.
وفي ذات السياق نجد أن الصفحات التالية من ذلك الملف تتقدم منطق التاريخ حسب مفهومه القديم، الذي اعتمد على الأحداث السياسية والاقتصادية، ولكن شروط الحاضر تحتم تغيير أغلب البنود الواردة وتنشط تلك السجلات، بذكر المستجدات التي غيرت وجه التاريخ ولونت صفحاته بعدما كانت بالأبيض والأسود، وتحوله إلى ألوان زاهية وبراقة وسوف يزيد ما يشعر به المرء من سعادة بشأن تطوير هذه المنطقة الضاربة جذورها في عمق التاريخ عمرها سبعة آلاف عام. كما يساعد تنفيذ المخطط في توفير فرص واعدة لتشجيع الشراكات والاستثمارات من الجهات التي تتشارك مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا في قيم الاستدامة والتنمية المسؤولة والمشاركة المجتمعية. فقد أرسي تقدم الإنسان طوراً متقدماً وملائماً في فهم الماضي وعلاقته بالحاضر والمستقبل ويراهن مع معرفة أكيدة بأنه سيكسب الرهان.