الهادي التليلي
مدينة العلا التاريخية التي احتضن مركز مراياها المسجل في موسوعة غينس كأكبر قاعة مغطاة بالزجاج في العالم قمة المصالحة الخليجية التاريخية، هذه القمة التي بدأ العالم يتحسس مخرجاتها النوعية.. هذه المدينة ذات سحر خاص وعبق تاريخي فريد من طريق البخور إلى الواحات الثقافية والسياحة والبيئية الفريدة والمعلقة بين الحاضر وأزمنة التاريخ المتعددة.
مدينة العلا هذه المدينة التاريخية التي استوطن بها الإنسان قبل آلاف الأعوام، وهي المكان الذي حل به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأسس به مسجد العظام قبل أن يقوم بغزوة تبوك، وهي المعلم المسجل ضمن لائحة التراث الثقافي الإنساني لليونسكو، وتتبع المدينة المنورة حيث قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وثاني الوجهات السياحية الدينية بالمملكة.
العلا تعود لواجهة الأحداث مجددًا من خلال مبادرة ولي العهد السعودي ورئيس مجلس إدارة الهيئة الملكية بالعلا محمد بن سلمان التي تتمثل في بناء رؤية تصميمية لمخطط العلا الجديدة بعنوان «رحلة عبر الزمن». إنها وجهة سياحية فريدة، تجمع متعة الولوج في عالم التاريخ برفاهية سياحية معاصرة، وتزاوج الحاضر مع الماضي ومصالحة الإنسان مع تاريخه من خلال مسار يؤسس لثقافة بيئية تحتفي بالطبيعة وجمال المكان، وتثمن الإرث التاريخي بشكل توظيفي ذكي مع إحياء الذاكرة الجماعية بمكان تنطق تفاصيله أحداثًا ومعاني باذخة.
العلا التي ستتحول إلى إحدى عواصم العالم في السياحة الثقافية يمكن تقسيم مخططها إلى مجموعة من اللوحات، أو قل شريطا من البطاقات البريدية الجميلة، يربط بينها ماديًّا القطار السياحي فصلاً ووصلاً معنويًّا، تمزج مساحات الرؤية الطليقة وفضاء إشباع العين الشرهة لاستهلاك الجمال والذوبان فيه خروجًا من العالم الذي نعيشه إلى العالم الذي يعيش فينا من إحساس دائم لتذوق الجمال والاستمتاع به حيث يلتقي التراث المادي واللامادي والسياحة البيئية من خلال خمسة مراكز على طول 20 كيلومترًا من وسط العلا. هذا المشهد البانورامي الذي أراه شريطًا من البطاقات البريدية يعد منتوجًا سياحيًّا حديثًا، يعيد قطاع السياحة التراثية إلى سطح الأحداث؛ لأنه بشكل أو بآخر عود إلى باب الذات العميقة. هذه الرحلة التي يحملك مسارها من لوحة مركز البلدية القديمة جنوبًا ليمرّ بك للوحة واحة «دادان» فلوحة واحة جبل «عكمة»، ومنها إلى لوحة الواحة النبطية وصولاً للوحة مدينة الحجر حيث تكون «مدينة صالح» خامس هذه اللوحات الجميلة فكأنك في معرض رسم، ولكنك جزء من تفاصيله وأنت في رحلتك فيه. وهذا هو المنتوج السياحي المعاصر الذي ينبني على المعايشة.
مدينة العلا السياحية التي ستشهد حفر غرف فندقية في الجبال على غرار الثقافات الآشورية والنوميدية وغيرها، التي تترجمها معطيات التاريخ، تجعل الزائر مفردة في عالم سحري غني بالمتاحف والمرافق الثقافية الجديدة والمعارض، إضافة إلى طاقة استيعابية فندقية تصل إلى 5 آلاف غرفة ستكون العاصمة السياحية العالمية مازجة بين التراث والمعاصرة دون إهمال إسهامها في الجهود التنموية حيث يتوقع أن تتيح توفير أكثر من 38 ألف فرصة عمل، وتساهم في الناتج المحلي بـ120 مليار ريال.