د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
فضاء «تويتر» قافلة ترتاد مواقع الناس وفضاءاتهم، وتحمل كل ذي لُبّ بلهفة شاسعة حتى تصل بهم في جل أوقاته في اتصال ممتد إلى مساقط الغيث إن أُحكم نسجُهُ! والحقيقة أن منصة الاتصال الحديثة «تويتر» لم تكن خيالات تترى إنما زحفتْ ضمن وسائط الاتصال الحديثة الأخرى؛ فكانت لمرتاديها كما تلتف الأشجار فينثني الطير على أغصانها مغرداً مع بزوغ الفجر وحين برود صَهْد الشمس وشواظها، فكل طروب يغرد بأمانيه حينما تتنفس في وجدانه! ولقد سبقني إلى التفكر في ذلك الوسيط الحواري اللافت الكثيرون فتحدثوا عن أهمية حماية التغريدة من هزات الفكر، وخوارم المروءة، وتنقيحها من شوائب الخلل اللغوي، ومن علل الضمائر الهابطة، وقد أشرق فضاء «تويتر» بآفاق جديدة لتعزيز الجوانب الاتصالية والثقافية عند المهتمين بوسائل التواصل الاجتماعي، والارتقاء بمستويات الفكر خاصة، وحوكمة الشهرة التي أصبحت عطشا! فوجد الشباب خاصة في منصة الاتصال «تويتر» أبواباً مفتوحة الواحد يفضي إلى الآخر لتنشق ساحاتها عن نوافذ ثلاث؛ إلهام روح الحوار البناء، والتفكير الإبداعي، واستثمار الفرص الملهمة، ومن ثم امتصاص رحيق الخبرات والتجربة!
وللمغردين في فضاء «تويتر» قوانين تردف البقاء والحظوة المجتمعية التي ينالها أولئك المغردون؛ فمن هم «المغردون»؟! وما هي منصاتهم؟! وهل هم جميعاً يملكون ذاكرة مذهلة تربط المعلومات القديمة بالجديدة ذات الصِّلة التي يحتاجها المغرد دون النظر إلى أهميتها؟!! أم أنهم فقط يعتبرون التغريدة المجردة روح اتصال جديدة؟ حيث الأدمغة ليست أجهزة حاسوب تخزن فيها المعلومات في ملف ينظمه البشر فيسهل استرجاعها بضغطة زر؛ أم أن أولئك المغردون شغوفون بتسجيل الجمل القصيرة التي يقولها العظماء لتحريك التساؤلات، وبعث الفكر ليحدد المتلقون أهدافهم؟!! فالعالم اليوم يفسح الطريق للمرء الذي يعرف إلى أين هو ذاهب! ومن الحشود على فضاءات «تويتر» ومن خلال ذلك المد الواسع الذي وصله المغردون يلزمنا تنظيم ذلك الفضاء إعلامياً، وسن القوانين لوجوده وحضوره المجتمعي الواسع، وإطلاق الآفاق للأحاديث المتوثبة الفوارة، ليترجمها فضاء «تويتر» إلى إعلانات متواشجة، وربما جاز القول إن ذلك الفضاء الاتصالي اليوم «مالئ الدنيا وشاغل الناس» حينما قرّرَ مختارا علاقة أبدية من أعماق المغردين فيما بينهم وبين مجتمعاتهم؛ فكل الأصوات تمر عبر تويتر، فيشذبها ويجمعها في ضفيرة واحدة تطل من طاقة تنفتح فيهطل منها الكلام، والمهم في نظري حيث يقضي المغردون وقتا له قيمته وثمنه، فلا بد من استثماره كما يجب وهنا مربط الفرس! عندما سمعنا من يصف هذه المنصة التواصلية في حيازة بعض مرتاديها بالغابة؛ ولكن هناك حديث جميل آخر عندما وصفوها بالحديقة الجميلة؛ ولكن لا بد من وخز الشوك أثناء المحاولة «فلا بد دون الشهد من إبر النحل».
لقد أسهم فضاء «تويتر» في خلق الأفكار والقدرات الإعلامية لدى فئات البشر خاصة الشباب منهم، وتطوير المحتوى في الرسائل المتنوعة، كما أن «تويتر» عندما عكس نبض الرأي العام كانت لغته مرهونة بمصير الزمان والمكان، ولكنها حتما تلزم المسؤول عن قضايا الناس بالاستجابة، فأحيانا يمر المغردون على فضاءاتهم ليخبروا الناس كم هي لامعة، وأحيانا يغرف المغردون من بحيرات أعماقهم الهادئة، فيتواصلون مع الحدث الرسمي بانسجام؛ ومع القرارات الرسمية أيضا بتوافق وفخر واعتزاز «وذلكم الرباط» أما عندما يدحرج المغردون الكلمات نحو أنسجة التوبيخ «فحمداً لله الذي عافانا وابتلاهم» ولا أعني بتلك الدحرجة النقد البناء الهادف فذلكم هو التقويم الذي ننشده، كما أن الالتزام بمسئولية الكلمة في مضامين التغريدات والتثبت من الواقع والواقعة، ونشر الفضيلة بأسلوب القدوة والنموذج الحي؛ مرام ورغبة؛ ولمّا أن «تويتر» منصة داعمة لتطوير فكر الناس وتغذية عروقهم بما ينفعهم؛ حيث لا مكان للنظريات والتنظير هناك، فلابد من احترام ذلك المتكأ البارد واحترام حريات الناس خلاله، فلا تكفير ولا تحريض، ولا عنصرية ولا خواطر جوفاء، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ما ندمتُ على سكوتي مرة لكني ندمتُ على الكلام مراراً).
وأجزم أن «تويتر» مضمار سباق أيضاً إذا دخله من لا يحسن التعامل والعمل خسر السباق مع ذاته أولاً، وخسر انتصارات مرتاديه المتوالية التي كان «تويتر» من محفزاتها، وكان أيضاً من علامات المرور وانسيابية الأمكنة والتمكين، وفضاءات تويتر من القنوات التفاعلية الدالة على الحراك الوطني، وربما فقدنا من خلال «تويتر» الكثير من خصوصياتنا حينما يتفاعل المغردون ويملؤون الميدان «التويتري» ولكن المهم أن نكون علامة مميزة لمن أراد أن يتزكى فخريطة لأذهان المحفزة تبقى مضيئة في سماء الوطن باتجاه صناعة الحوار الشفاف نحو التنمية والتعليم وحرية التعبير والقضاء على الفساد. تلك هي الشواهد التي ستثبت أننا في الفضاء التويتري الصحيح!