حمّاد بن حامد السالمي
* بداية؛ فإن المفهوم العام للدبلوماسية (Diplomacy) يعني التمثيل السياسي للبلاد، وتصريف شؤون الدولة الخارجية مع الدول الأجنبية، وأساليب التعامل بينَ الدول. وكذلك يعني: فن ممارسة العلاقات الدولية، مثل إبرام المعاهدات، والاتفاقات، والتفاوض، فيما يدخل في إطار سياسي. ثم نصل إلى مفهوم توسّع في الزمن الحاضر، متجاوزًا الأطر السياسية؛ ألا وهو: (دبلوماسية الاتصال الناجحة بينَ الناس).. بين الشعوب والأمم، فهذه الدبلوماسية أسهمت في فهم الآخر؛ وتحقيق المقاربات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، وحدّت من الحروب والتناحر، والحصول على الأراضي والمكاسب. إن الدبلوماسية بصفتها التواصلية بين القيادات والشعوب؛ كانت موجودة بين الأمم منذُ القدم، وتتجلى باختصار في: (فن إدارة العلاقات بين الدول والشعوب)، ومن أمثلة المعاملات الدبلوماسية في القديم؛ المراسلات التي كانت بين رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم- وبين نجاشي الحبشة - وهرقل الروم، وكسرى فارس.
* ومنذ قديم الزمان؛ كان هناك تبادل دبلوماسي بين الدول والحكام والشعوب، وكان هناك ممثلون وسفراء؛ يُختارون وفق مهاراتهم الجيدة التي تساعدهم في الوصول إلى النتيجة المطلوبة، فالسفير والممثل؛ هو مفاوض على الدوام، ومن أبرز هذه المهارات: فهم شامل للمحيط الذي هو فيه، واستيعاب جيد منه لرسالته الدبلوماسية، وأن يُلم بتاريخ وثقافة هذا الطرف ولغته، ويتقن فنّ الإنصات لما يقوله الطرف الآخر، ومحاولة العثور على نقاط اتفاق تُقرب بين بلده وهذه البلاد.
* ماذا نعني بـ(الدبلوماسية الشعبية)..؟ هذا مصطلح رأى (إدموند غاليون Edmund Gullion - 1965م)؛ أنه مفهوم جديد، فعرّفه قائلاً: (إن الدبلوماسية الشعبية؛ مفهومٌ «يتناول تأثيرات المواقف العامة في تشكيل وتنفيذ السياسات الخارجية. وهو يشمل أبعادًا من العلاقات الدولية، تقع فيما وراء الدبلوماسية التقليدية، كقيام الحكومات بزراعة وغرس رأي عام في البلدان الأخرى، والتفاعلات بين الجماعات الخاصة ومصالحها في بلد مع بلد آخر، وكتابة التقارير، والإبلاغ عن الشؤون الخارجية وتأثيراتها في السياسة العامة، وكذا عمليات التواصل مع هؤلاء الذين يشكل الاتصال وظيفتهم الأساسية، كالدبلوماسيين، والمراسلين الأجانب، والعاملين في مجال التواصل والتبادل الثقافي). ونصل بذلك إلى مفهوم دبلوماسي جديد نوعًا ما؛ يعمل بنشاط خارج نطاق العمل السياسي المعهود، لأنه يستهدف البُنى الحزبية والثقافية والإعلامية الفاعلة في مجتمعاتها، وهو ما سبقت إليه دول مثل: إسرائيل وإيران على سبيل المثال، فلهما نشاط دبلوماسي شعبي داخل أميركا وأوروبا وغيرهما، وتعملان على كسب مواقف سياسية، والتحريض ضد الخصوم بشكل كبير.
* هل نحن بحاجة إلى دبلوماسية شعبية تخترق مجتمعات في دول فاعلة ومؤثرة في الغرب والشرق من أجل الدفاع عن قضايانا وكسب المواقف لصالحنا..؟ الجواب: نعم وألف نعم. فبلادنا بحمد الله؛ تقود العالم الإسلامي، ولها ثقلها الديني والسياسي والاقتصادي على المستويات العربية والإسلامية والدولية، ويعمل بها نحو 13 مليون نسمة من عشرات الجنسيات، يعملون ويكسبون ويبنون في بلدانهم من خيراتها، وينتشر أبناؤها بمئات الألوف في شتى القارات، طلاب علم وسيّاح، ونحن اليوم نتعرض لحملات شرسة من أقطاب معادية، تتصدرها إيران وحزب الإخوان، ودول ومنظمات كذابة، تقبض مقابل تشويه صورة المملكة وإلحاق الضرر بها، في المقابل؛ ليس لدينا وسائل إعلامية اتصالية فاعلة كما هو عند الأطراف المعادية، وظل إعلامنا -مع الأسف- منكفئًا على الداخل، ولا بد لنا من حضور يقظ داخل الهيئات والمنظمات والوسائط الدبلوماسية والإعلامية الغربية، وبشكل خاص في أميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، والعمل على بيان جهود المملكة على المستويات الإقليمية والدولية فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب، والتصدي للتخريب الممنهج، وتوفير الطاقة، وحماية طرق التجارة العالمية. وخلاف ذلك.
* في لقاء متلفز سابق مع القناة البريطانية الرابعة حول صورة المملكة في أوساط البريطانيين- وهو الحال مع بقية الأوساط في المجتمعات الأميركية والأوروبية- أكد وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير قائلًا: (إنه على الرغم من عدالة قضايا المملكة؛ إلا أنها لم تقم بالدور اللازم في التواصل مع دوائر التأثير في داخل المجتمع البريطاني، والتواصل مع مراكز البحث والمؤسسات الأكاديمية والثقافية)، وهذا هو من صميم اختصاص الدبلوماسية الشعبية التي تحتاج إليها المملكة اليوم وكل يوم.
* قد يتساءل البعض- وهو محق في هذا- وما فائدة دبلوماسية شعبية في ظل هذا الانفتاح المعرفي العظيم الذي يعم العالم عبر وسائط التواصل الاجتماعي..؟ وأقول: وهذا الانفتاح الذي جعل من العالم قرية واحدة؛ هو من أهم أسباب دواعي العمل على التوغل داخل النخب السياسية والإعلامية والثقافية في مجتمعات الدول الكبيرة المؤثرة، لتوضيح صورة المملكة كما هي قائدة ومؤثرة وبانية في سلم الحضارة الإنسانية، وكسب هذه النخب لمواجهة كافة دعاوى التشويه والتحريض والإيذاء، التي تعمد إليها قوى الشر من طرف إيران وفلول الإخوان ومنظمات الاتجار بحقوق الإنسان في المجتمعات الغربية نفسها. إن هذه الشرور المستطيرة غربية أو شرقية؛ لا تُهزم إلا بغزوها في عقر دارها، من خلال وسائلها ووسائطها هي ذاتها، واستخدام وسائل التواصل الحديثة بشكل إيجابي، ما يوفر لنا القدر المناسب من المصداقية، والصورة الجيدة، والتأييد المستحق في نهاية الأمر.
* إن الدبلوماسية الشعبية؛ ما هي إلا إعلام عملي لصيق، يستخدم وسائل الإعلام الحديثة، ويصل إلى الأوساط الشعبية بالتبادلات البحثية والمعلوماتية، وتكثيف الزيارات المتبادلة، واستضافة كبار الشخصيات المؤثرة، وتنظيم الفعاليات العلمية والثقافية والرياضية والسياحية وغيرها؛ بهدف تغيير الصورة النمطية التي رسختها الجهات المعادية، وبيان الواقع الحقيقي للمملكة، حكومة وشعبًا وتاريخًا وثقافة.