إعداد - د. هناء بنت راشد الشبلي:
عندما أُكلَّف بأي لجنة تحكيم لمسابقة فنية يتبادر لذهني مناقشة قديمة أجريتها مع إحدى الزميلات من المشرفات عندما كنت خبيرة تربوية في الإدارة العامة للنشاط بوزارة التعليم, وقتها كنا نصمم خططاً لمسابقات فنية للتعليم العام ونشرف على متابعة تنفيذها بإدارات التعليم في المملكة كجزء من مهامنا, فكانت تسألني: ابنك في نهاية المرحلة الابتدائية وموهوب بالرسم هل سيشترك بالمسابقة الفنية؟ فأجبتها: أني لا أفضل أن يشترك ابني بأي مسابقة إلا إذا توفرت ضوابط خاصة تحقق له العدل وأنا لا أضمن ذلك وأخشى أن يتعرَّض لظلم فلا يفوز فيتأثر ويفقد ثقته بنفسه وينصرف عن الرسم فأندم - رغم قناعتي بأهمية المسابقات الفنية وأهدافها - إلا أن قلب الأم الذي يحسب حسابات أخرى يتحكم بقراري ويجعلني أحجم عن إشراك أبنائي بأي مسابقة, وقتها كنت قد انتهيت من إعداد كتيب «لائحة تنظيم المسابقات الفنية» وتمت طباعته وتوزيعه على مدارس التعليم العام في مناطق ومحافظات المملكة بإشراف إدارة نشاط الطالبات, وهذا منحني فرصة لأقرأ عن الموضوع كثيراً وعن التأثير الإيجابي أو السلبي للمسابقات بأنواعها على أفراد المجتمع من نواح نفسية واجتماعية, ولأن المسابقات الفنية لها تأثير خاص على المشاركين يجب أن تضبط مراحل المسابقة من بداية التخطيط حتى نهاية التحكيم حتى تتحقق أهداف المسابقة الفنية, وما نرى ونسمع مؤخراً من تطور ثقافي وقفزات تشكيلية مذهلة عند وزارة الثقافة والجمعيات التي تخدم الفن التشكيلي, نجد أن هناك مشاركات لمسابقات دولية ومحلية ومزادات ومشاركات في منصات خليجية وعربية تؤكد على سعي المملكة لخلق حالة فنية مواكبة للفنون في العالم في ظل الرؤية الحديثة التي تقدم برامج متنوعة, ومنذ سنوات عديدة قدمت حكومة المملكة العربية السعودية الدعم والتشجيع لتنظيم مسابقات فنية متنوعة مما ساهم في رفع مستوى الذائقة البصرية عند المجتمع المحلي وأصبح الاهتمام أكثر باقتناء اللوحة التشكيلية مع زيادة بتقدير دور الفنان التشكيلي السعودي، وهذه المسابقات تسهم بشكل كبير في تطور الفن التشكيلي السعودي ومخرجاته التي توثّق مراحل تطوره الذي ما زال للأسف ضمن المحلية ولم يصل للعالمية إلى الآن كما نرى عند بقية الدول المجاورة التي ترصد جوائز تشكيلية عالمية ومعارض بينالي.
ومن أبرز المسابقات الفنية التي قدمتها ورعتها جهات حكومية من وزارات وهيئات والتي تختلف باختلاف المناسبات -هي أمثلة وليست للحصر- منها: «مسابقة الأمير فيصل بن فهد الثقافية لبيوت الشباب» وهي من أوائل المسابقات الفنية بالمملكة, مسابقة «معرض الفن السعودي المعاصر» بدوراته الأربع والعشرين قدمتها وزارة الإعلام والثقافة (سابقاً) ممثلةً بوكالة الوزارة للشؤون الثقافية, «مسابقة السفير للفن التشكيلي» التي دعمتها وزارة الخارجية. «مسابقة ملوّن السعودية « التي قدمتها الخطوط السعودية. مسابقة باحة الفنون التشكيلية برعاية أمارة الباحة, وعدة مسابقات فنية قدمتها أمانة الرياض وأمانة العاصمة المقدسة وإمارة الطائف وإمارة جدة وإمارة المدينة المنورة وإمارة الجوف والأحساء وغيرها من مناطق, مسابقة «سوق عكاظ للفن التشكيلي» برعاية الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني, مسابقات فنية كثيرة ومتنوِّعة قدمتها وزارة التعليم والجامعات السعودية في مختلف المناطق والمحافظات, ولعدة سنوات قدمت الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون جائزة «المعرض العام للمقتنيات» وساهمت فروع الجمعية بالمناطق والمحافظات بتنفيذ مسابقات لها عناوين مختلفة بالمشاركة مع جهات مساندة, كما قدمت الجمعية السعودية للفنون التشكيلية «جسفت» مسابقات فنية متنوعة منذ بداية تأسيسها حتى اليوم منها الحضوري ومنها عن بُعد, وشاركت فروعها الستة عشر في إقامة مسابقات فنية متنوعة بالاشتراك مع جهات مساندة, وأطلق مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني مسابقة فنية «حوار الفنون» للمجتمع.
وهناك فئة أخرى من المسابقات الفنية تدعمها وترعاها جهات خاصة أبرزها: مسابقة «عبد الله القصبي للفنون التشكيلية» برعاية المجلس السعودي للفنون التشكيلية, مسابقات فنية متعددة قدمتها «دار الفنون السعودية» بالرياض بدعم من الفنان محمد السليم -رحمه الله- مسابقة «جائزة ضياء عزيز ضياء» بدوراتها المختلفة, مسابقة «الزاهدية للفنون البصرية» بنسخها المتعدِّدة, ومسابقة «جائزة جميل للفنانين والمصممين المعاصرين» برعاية ودعم مؤسسة فن جميل. كما ساهمت شركة أرامكو -مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) - بجائزة «إثراء للفنون» وغيرها من جهات خاصة قدمت مختلف المسابقات الفنية.
جميع تلك الأمثلة من المسابقات الفنية تلقت ردود فعل مختلفة من المجتمع التشكيلي تنوَّعت ما بين الرضا أو السخط, فنجد منهم المؤيِّد لها ويؤمن بأهميتها من حيث إنها تعمل على تلبية الحاجات النفسية كتحقيق الذات والتقدير والثقة بالنفس, وتساعد على اكتشاف المواهب الفنية والمهارات وتوجيهها الوجهة السليمة, وبث روح التنافس الشريف البناء بين المشاركين, واستثمار وقت الفراغ بما يعود بالفائدة عليهم. وفي المقابل نجد الفئة المعارضة لإقامة المسابقات الذين حددوا أسبابهم في تأثيرها السلبي على نفسية الفنان عند خسارته بالمسابقة, أو بسبب اختيار الجهة الراعية لجنة مشرفة بأعضاء غير مختصين بالفن تضع خطة المسابقة وشروط غير مناسبة, أو تشكيل لجنة تحكيم تفتقر للمعرفة بمعايير التقييم, وغيرها من أسباب.
ومن هذا المنطلق لا بد أن نستعرض أهم الضوابط التي تحقق العدل للمشاركين وتحقق الأهداف للمسابقات الفنية, وهي كالتالي:
أولاً: تشكيل لجنة «تنظيم للأعمال الفنية المشاركة بالمسابقة» ويكون من أهم مهامها:
- إحصاء وتوثيق الأعمال الفنية المشاركة في سجل يتضمن الاسم والعنوان وتفاصيل للعمل.
- تخزين الأعمال الفنية المشاركة عند وصولها في مكان مناسب لحفظها من التلف.
- التواصل مع المشاركين بالمسابقة للرد على استفسارهم ومتابعة الموقع الالكتروني المخصص للمسابقة.
- تجهيز الأعمال الفنية للجنة التحكيم بترقيم كل عمل وتغطية أسماء المشاركين عن أعضاء لجنة التحكيم (حتى لا تتدخل الأهواء الشخصية), ويمكن الاستعانة برامج الحاسب الآلي في حفظ صور الأعمال الفنية وإرسالها للجنة التحكيم.
ثانياً: تشكيل لجنة «تحكيم للمسابقة الفنية» يختار منهم رئيساً للجنة, والأفضل أن لا يقل عددها عن ثلاثة ولا يتجاوز الخمسة (ويمكن أن يزيد حسب حجم المسابقة) ويكون من مهامها:
- تصميم استمارة تقييم لتحكيم الأعمال الفائزة تتناسب مع شروط المسابقة التي وضعتها الجهة المشرفة.
- فرز أولي للأعمال الفنية المشاركة وإبعاد الأعمال التي لا تنطبق عليها الشروط (وهذه المهمة ليست من عمل لجنة التنظيم، بل تدخل ضمن مهام لجنة التحكيم).
- استخراج مجموعة أخيرة من الأعمال الفنية المشاركة يتفق عليها أعضاء لجنة التحكيم لتحديد الأعمال المرشحة للفوز.
- استخدام استمارة التحكيم لكل عمل فني من المجموعة الأخيرة ووضع الدرجات (كل عضو تحكيم بمفرده).
- جمع الدرجات لتحديد المراكز الفائزة بالمسابقة وتسليمها للجنة المشرفة على المسابقة بعد توقيع كل عضو من لجنة التحكيم.
وختاماً نؤكد إنه لو تزايد اهتمام الجهات الحكومية والمؤسسات الخاصة بزيادة تنظيم مثل هذه المسابقات الفنية سينعكس حتماً على الارتقاء بالذائقة الفنية لأفراد المجتمع ومحفزاً ودافعاً للحراك التشكيلي, كما تزيد فرص التواصل بين الفنانين التشكيليين والتعرّف على تجاربهم في مجال الفنون التشكيلية وعرض إبداعاتهم الفنية وتبادل المعلومات, مما يعمل على تمكين وتشجيع أعمال الفنانين السعوديين المعاصرين وإيصالها إلى نطاق عالمي, وهذا ما نتمنى تحقيقه.
** **
فنانة تشكيلية - الرياض
@hana_alshebli