د. عبدالواحد الحميد
عُرِف الأستاذ عقل الضميري في الأوساط الرسمية التي عمل فيها بالمملكة وبعض دول مجلس التعاون الخليجي كخبير مالي ومحاسبي وإداري، فهو قد درس الرقابة المالية في معهد الإدارة العامة بعد إنهاء دراسته الجامعية، وتولى العديد من المناصب في هذا المجال في مواقع قيادية مختلفة في الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربي.
وكان هذا هو كل ما كنت أعرفه عنه، بجانب معلومات شخصية متفرقة، إلى أن تولى منصب المدير العام لمركز عبدالرحمن السديري الثقافي، حيث جمعتنا لجان وأنشطة ثقافية مشتركة، فاكتشفت أن هذا الخبير المالي والمحاسبي هو قبل ذلك مثقف متابع للحركة الفكرية والثقافية في المملكة والعالم العربي وأنه قد قرأ الكثير من ترجمات الأدب العالمي، فكنا نتناقش ونتبادل الحديث حول الكثير من قضايا الفكر والأدب والثقافة كلما اجتمعنا في مناسبات عمل أو مناسبات اجتماعية.
ومضت الأمور على هذا النحو، إلى أن فاجأني ذات يوم بعمل روائي من إبداعه، فكانت تلك لحظة اكتشاف بأن هذا الخبير المالي والمحاسبي والرجل المثقف هو أيضا كاتب موهوب وجد نفسه أخيراً عندما تقاعد من الوظيفة الرسمية في مجال الرقابة المالية وانتقل إلى عمل آخر يُعنى بشكل أساسي بالفكر والثقافة وهو مركز عبدالرحمن السديري الثقافي.
وبسبب عمله الجديد، انتقل إلى الجوف، مسقط رأسه والمقر الرئيسي لمركز عبدالرحمن السديري الثقافي. وفي الجوف لمع الضميري كوجه ثقافي بارز بالمنطقة من خلال مشاركاته الكتابية في الصحف الإلكترونية بالجوف، ومن خلال نشاطه الثقافي في المركز بما يتجاوز العمل الإداري، فقد انغمس في الأنشطة الثقافية للمركز مشاركاً ومحاوراً في الأمسيات الثقافية وفي الندوات وورش العمل التي يقيمها المركز، فضلاً عن دوره الكبير في رسم أجندة الأنشطة بالاشتراك مع المجلس الثقافي للمركز واللجان والهيئات المختلفة التي تعمل تحت مظلة المركز.
وقد استطاع الضميري خلال إدارته للمركز أن يحافظ على الإنجازات المتراكمة للمركز وأن يضيف إليها من أفكاره ومبادراته. فعلى سبيل المثال كان من المبادرات التي عمل على تحقيقها ونجح فيها إلى حد كبير استقطاب الشباب وترغيبهم في القراءة من خلال مشروعات غير تقليدية مثل إنشاء مكتبة الحديقة المفتوحة ونادي القراءة والمكتبة المتنقلة التي تلاحق الشباب إلى الأماكن التي يرتادونها. وقبل أن يتقاعد من العمل في المركز، بعد خمس سنوات من الإنجاز، كانت تداعب خيالة فكرة يتحدث بها من حين لآخر مع دائرة صغيرة من أصدقائه عن مشروع يتطلع إلى إقامته، وهو مشروع لا علاقة له بالتجارة والمال والمحاسبة، وإنما إقامة جاليري لعرض اللوحات الفنية وتشجيع الفنانين التشكيليين في منطقة الجوف، وهي الفكرة التي حالت بعض الظروف حتى الآندون تنفيذها، والتي هي امتداد لاهتمامه بالثقافة والفنون بشتى ألوانها.
لقد استطاع الأستاذ عقل الضميري، عبر مسيرة ثرية وحافلة، أن يحقق الكثير من الإنجازات للساحة الثقافية في الجوف وخارجها من خلال عمله في مركز عبدالرحمن السديري الثقافي، وأن يعيد اكتشاف وإحياء ميول ومواهب كانت الوظيفة الرسمية قد صرفته عنها، فكتب روايته الأولى «دوم زين» وهي الرواية التي مزج فيها بين الواقع المحلي في بيئته الجوفية مع واقع سحري يذكرنا بالنموذج الروائي لأدب أمريكا اللاتينية، ثم قدم روايته الثانية «ثانوية موسى» وهي الرواية التي تعسرت طباعتها حتى الآن لأسباب خارجة عن إرادته، وفي الآونة الأخيرة اتجه لكتابة القصة القصيرة في نقلة أضافت لتجربته الفنية المزيد من التنوع والشمولية، ومازال في جعبة الضميري مشروعات أدبية وثقافية أخرى بعد أن عاد إلى جذوره وبيئته مستلهماً منها مادة أعماله وإبداعاته.