من هو الذي لا ظل له ولا امتداد ولا حياة؟! بيننا يعيش أفراد بلا ظل، حياتهم بلا ألوان، الفرد فيهم يتمحور حول ذاته فقط ويحرص على منافعه فقط، ويلبي احتياجاته فقط، ارتضى بالحد الأدنى للعيش في سلم الحياة، ويعتقد أنه بذلك يشتري راحة باله وراحة جسده، وتناسى أنه كلما ترف الجسد تعقدت الروح! ولسان حاله: أنا ومن بعدي الطوفان! فكان هو الطوفان وغرق لوحده خالي اليدين من كل جميل ومعروف وخير، فهو يدور كحلقة حلزونية حول ذاته يلوم الآخرين يخاف المسؤولية ينظر بعدائية، فتعرى شيئا فشيئا من العلاقات، ونأى بعيدا في عزلة يتسلل إليه الاكتئاب وينهشه الاستسلام ويركع للفشل، فغرق في طوفان من العقد النفسية بعد أن عاش حياة بلا ظل ولا نفع ولا امتداد، عاش حياة بلا حياة ! وما أكبرها من خسارة!
عندما سئل (أرسطو) عن جوهر الحياة، قال: «خدمة الآخرين والقيام بأعمال الخير»، إن التأمل في النفس والحياة ما هي إلا عملية بحث تفضي بنا إلى اللغز الكبير عن سر السعادة في البشر، ولماذا ننجذب مباشرة وتطيب النفس وترتاح الروح ويهنأ الخاطر عندما نمر في بيئة تحمل نكهة السرور والبهجة والضحك والمداعبة والملاطفة ! إن من يعيش في هذه البيئة هو في الحقيقة يعيش الحياة بألوان، هؤلاء هم أهل العطاء أيقنوا أن في مساعدة الآخرين سداً لاحتياجاتهم الفطرية، وأن البذل تهذيب لانفعالاتهم الذاتية، وأن الإيثار خير موجه للنوازع النفسية، وأن حب الآخرين يردم الثغرات ويبني الشخصية، العطاء لا حصر له ولم يقتصر قط على الجانب المادي فقط بل هو أكبر وأسمى وأرقى.
ثقافة العطاء، ابتسامة بحب.. نظرة بود.. لمسة بعطف.. كلمة بطيب.. دعوة بقلب.. باختصار العطاء هو عطاء للنفس «إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم» وهو الظلال الممتد لك حيا وميتا، فمن يسلكه فقد سلك درب العز والشرف!
** **
- مها النصار