سأبدأ بهذه المعلومة التي قرأتها من كتاب «علامات استفهام» للدكتور/ علي شلش طيّب الله حرفه: [ذات مرّة روى الكاتب المسرحي الفرنسي أوجين أونيسكو واقعة طريفة من صحفي شاب، استوقفه وهو متجه لحضور أحد المؤتمرات، وسأله ما رأيك في الموت؟
وبهت أونيسكو كما يقول، ووقف، ثم وضع حقيبة أوراقه على الأرض، وأخرج منديلاً ليجفف عرق وجهه الناتج من حرارة الجو، ونظر إلى الصحفي الشاب، وقال له:
أعطني مهلة عشرين عامًا حتى أجيب على سؤالك، ثم علّق على هذه الواقعة بقوله:
إن الناس يتوقعون من الكتّاب جوابًا عن أي سؤال، ولكنني لا أكتب كي أجيب على الأسئلة، وإنما أكتب كي أطرح أسئلة].
وهذه تمامًا ما اقتنعت به، وسأسير عليه، فإني أكتب لكي أطرح أسئلة، أفتح علامات استفهام وتعجّب، أخيطُ بحرفي نسيج الجُمَل، أرسمُ بقايا وجعي على أَسِنّة العبارات، أحملُ هَمَّ كل مَنْ أصادفهم، لأكتب نيابة عنهم، ألوّن بالفواصل منظر الملامح كـ(قوس قزح)، وصراحة الممالح حين نقيسُ الأساليب في الأفعال لا الأشخاص.
هذا الصحفي الشاب حين سأل أوجين عن الموت، ذكَّرني بمن غادروا حياتنا وبقيت أعمالهم خالدة في كتبهم. ولعلي هنا أستغلّ هذا الموت ولو لطَرْفَة عين لأوجّه عتابًا خفيفًا وإن تنامى لأعلى درجة للنقّاد والباحثين:
أرجوكم، التفتوا إلى إبداعات الشباب، هناك بون شاسع منذ التسعينات حتى 2021، إين جهودكم فيما أنجزه مبدعو تلك الفترة، هل ننتظر حتى يموتوا؟!
يرحم الله كل من رَحَلَ عَنّا، ويسكنهم فسيح جناته ....
هذا السؤال والذي بات مُحَيّرًا بالنسبة لي على الأقل لماذا لا نتذكّر مبدعينا إلا بعد أن يرحلوا؟! وهو وحروفه وإبداعه كانت وما زالت حاضرةً في حياته! لقد سئمتُ أن نتذكّرَ إبداع الأموات ونجحد الأحياء إبداعًا!
وربما يهضم بعضنا بعضًا حقوق المبدعين
وأقلّها أن نعترف بأن حرفه يستحق القراءة والوقوف عنده كثيرًا، لـ نخرج أهم إيجابياته والقليل من هنّاته إن وِجِدَتْ طبعًا!
والعجيب بعد موته، ينهال في مواقع التواصل الرقمي الاجتماعي أهم كتابات الراحل، تجدها في أمثله وتجدها تَتْرى في إبداعات من نَعَوْه.. لو أعوذ بالله منها عرف الأموات أنهم سيكرمون بسيرتهم هكذا لتمنّوا الموت مع أول منصّة إبداع أطلقوها في حياتهم، لتبقى ذكراهم خالدة!
عجبًا يا بعض مجتمع المصالح «والشلليات»!
سطر وفاصلة
من حقك أن تعبِّر وترقص بحروفك ونسخك ولصقك في جميع مواقع التواصل الرقمي الاجتماعي كما تشاء، لكن المعلم له كرامته
وكرامته في أستاذيته لم ولن يسفّها بقليل متعة.
** **
- علي الزهراني (السعلي)