الصديق كنز، ومن لا صديق له فهو إنسان بائس. التقيت بالأخ عقل الضميري، لأول مرة في السنة الأولى من المرحلة المتوسطة، بمتوسطة صلاح الدين، وذلك في حدود سنة 1390هـ. حيث درست الابتدائية بمدرسة فلسطين وهو بالمدرسة العزيزية, ومن تلك السنة بدأت صداقتنا, وبعدها زمالتنا بالعمل, وحتى السكن بمدينة الرياض فيما بعد. بدايتها كانت منافسة بالدراسة، وكانت منافسة إيجابية بمعنى الكلمة، أقصد كنا نتناقش ونساعد بعضنا بعضاً في بعض الدروس وبالذات في الرياضيات.
بعد المرحلة المتوسطة التحقنا بمعهد المعلمين الثانوي، وكنا الدفعة الثانية منه، وتلك المرحلة، ونحن نعد لنكون معلمين للمرحلة الابتدائية، بدأ تكويننا المهني والنفسي، وبدأنا بإدراك أمور الحياة ومتطلباتها، رغم أننا لازلنا بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة من العمر، ورغم الظروف المادية الصعبة وحتى البيئة المحيطة، كنا نتوهج شوقاً للمستقبل، ولا أبالغ أننا كنا نضع أحلامًا عالية لمستقبل حياتنا. الحلم كان كبيرًا رغم أن الظروف والمعطيات لا تتواءم مع تلك الطموحات. كنا نتحدث في جلساتنا عن المبدعين والمشاهير في عالم السياسة والعلوم وحتى الفن.
أنهينا معهد المعلمين ودخلنا الحياة العملية كمدرسين للمرحلة الابتدائية، لكن كلانا لم يقتنع بما حصل عليه، إذ لازال الحلم كبيرًا. فانتسبنا للجامعة، نعمل وندرس وتخرجنا بعد أربع سنوات.
التقينا ثانية كزملاء دراسة بمعهد الإدارة العامة لمدة سنتين، وكانت فترة تألق وتفوق، درسنا خلالها مواد كل فروع المحاسبة. بعد التخرج التحق الأخ عقل بالأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، المنشأ حديثاً (مايو 1981م) كمدير للإدارة المالية، ولحقت به بعد عدة أشهر كمراقب مالي بالأمانة العامة. ورغم أنه من المفترض أن تكون العلاقة حساسة بين هاتين الوظيفتين، إلا أن روح الصداقة والزمالة والمهنية كانت هي السائدة، فكلانا كان يعمل بمهنية يقدرها الآخر.
وبدأت مسيرة الحياة، وتقدمنا بمناصب ومهام ومواقع عدة بالأمانة العامة لمجلس التعاون على مدى أكثر من ثلاثين عاماً.
يتميز الأخ عقل بروح جاذبة وثابة وحس إنساني وبفكر وأفكار تبدو أحياناً خارج المألوف، وهذا ما جعله يبدع في إدارة (مؤسسة عبدالرحمن السديري). أنسن المؤسسة, وجعلها مرتبطة أكثر بالناس والمجتمع الجوفي، وأصبح لها - في عهده - حراك مجتمعي وثقافي.
ولأن الأخ عقل أحيانًا يبدو في حالة «قلق وجداني» وشفافية إنسانية, وحساسية إيجابية, ونتيجة لتفاعله مع هموم الناس, فليس بغريب أن يبدع في كتابة الرواية والقصة, في مرحلة متأخرة من العمر، وأن يكون ما كتبه «انعكاساً لحالات إنسانية» قد يكون عايشها هو أو من له علاقة به. حفظ الله جميع الأصدقاء والأحباب.
** **
- فيصل البحيران