نقرأ كثيرًا عطف الخاصّ على العامّ في العبارة المتعاطفة (اللغة والنحو) فيتبادر إلى الذهن تساؤل مفادُه لماذا يُفرَد النحو بالعناية من بين علوم اللغة في هذه العبارة (اللغة والنحو)؟ وهل النحو شيءٌ واللغة شيءٌ آخرُ؟ والذي لفت انتباهي إلى ذلك أمران هما الأوّل: تسميّة بعض أقسام اللغة العربيّة في الجامعات السعوديّة مسار الدراسة في مرحلتي الماجستير والدكتوراه مسار النحو واللغة(1)، والثاني: قراءتي لهذه العبارة عند حديث الجويني (ت 478هـ) عن شروط المفتيّ بقوله: «أن يكون كامل الآلة في الاجتهاد عارفًا بما يحتاج إليه في استنباط الأحكام من النحو واللغة...»(2)، ويفهم من شرح الشيخ عبد الله الفوزان لهذه العبارة أنّ سبب فصل النحو عن اللغة هو قوله: «أمّا اللغة فلأنّ القرآن والسنة بلسان العرب وردا، فلا يفهم نصوصهما من يجهل اللغة. وأمّا النحو فلأنّ المعاني تختلف باختلاف الإعراب»(3)، وجاء أيضًا في نظم العمريطي لمتن الورقات:
والنحو والأصول مع علم الأدب ... واللغة التي أتت من العرب(4)
ومفهوم مصطلح اللغة عند الأصولين موافق لتعريف معجم لاروس لمصطلح (علم اللغة)، وهو العلم الذي يعنى بمعرفة أوضاع المفردات(5).
ومن اللسانيّين الذين فرّقوا بين النحو واللسانيات أندريه مارتينيه الذي كان يقول: علم اللسان ليس علمًا معياريًّا، وإنّ مصطلح علميّ مناقض لمصطلح معياريّ، وإنّ علم اللسان يعتمد على الرؤية العلمية وليس على الرؤية الافتراضيّة، ويعيب أيضًا على بعض المثقّفين جهلهم بوجود علم خاصّ باللغة يخرج عن دائرة علم القواعد المدرسيّ، ويتجاوز قضايا الحكم بالصحة والخطأ(6). ومصطفى غلفان الذي يرى أنّ النحو مقاربة معيارية يهتمّ بما ينبغي أن يكون اللسان عليه من حسن التركيب، وضبط القواعد في الكتابة والاستعمال، ويرى أنّ اللسانيات ذات رؤية وصفيّة أو تفسيرية للظواهر اللغوية المدروسة دون إصدار لأحكام قيميّة أي: إنّ النحو يهتمّ بما يجب قوله، واللسانيات تتناول ما يقال بالفعل(7).
أمّا غالب من وقفت على مؤلفاتهم من اللسانيين وأصحاب المعجمات اللغوية، وأصحاب معجمات المصطلحات اللسانيّة فإنهم يدخلون النحو أو علم التركيب في مصطلح اللسانيّات، ولعلّي أستعرض بعض ما جاء في هذه المدوّنات الإنجليزيّة والعربيّة فيما يأتي:
جاء في معجم Merriam Webster›s في تعريف مصطلح Linguistics ما نصّه:
«The study of human speech including the units, nature, structure, and modification of language»(8)
وورد في معجم Longman عند تعريف مصطلح Linguistics ما نصّه «the study of language in general and of particular languages, their structure, grammar and history»(9).
وأورد صاحبا Longman Dictionary of Language Teaching الجزيرة Applied Linguistics عند تعريفه لمصطلح Linguistics ما نصّه: «the study of language as a system of human communication. Linguistics includes many different approaches to the study of language and many different areas of investigation, for example sound system (phonetics, phonology), sentence structure (syntax) …»(10)
وعقد أصحاب كتاب (Contemporary Linguistics An Introduction) الفصل الخامس من كتابهم حول Syntax: the analysis of sentence structure (11)
وورد في تعريف مصطلح Linguistics في معجم Cambridge ما نصّه «the systematic study of the structure and development of language in general or of particular languages»(12).
يتضح من التعريفات الإنجليزيّة السابقة أنّها أدخلت مصطلح Syntax الذي يعني علم النحو، أو مصطلح Structure الذي يقصد به علم التركيب أو مصطلح Grammar الذي يقابل علم القواعد في تعريف علم اللسانيّات Linguistics.
وورد مصطلح علم النحو أو علم التركيب في المصادر العربيّة والمعرّبة ضمن الكتب المعنونة باللسانيّات أو ما يرادفها فيما يأتي:
جاء في معجم المورد في تعريف الألسنيّة «علم يدرس الظواهر والقواعد اللغويّة في أكثر من لغة دراسة مقارنة»(13). ويبحث حسين بن عليّ الزراعي بعض القضايا النحويّة مثل: النحو التوليديّ ونظريّة UG، ونظريّة النحو الكلّيّUG ، وإشكاليّة تدريس التركيب النحويّ، وإشكاليّة تدريس الإعراب، والمكوّن التركيبيّ(14). ويعقد سمير إستيتيّة الفصلين: الرابع والخامس حول النحو في الأنظار اللسانيّة، والنحو التكاملي، وتندرج تحتهما مجموعة من المباحث النحويّة(15). ويخصّص فوزي الشايب الباب الرابع للنحو، ويندرج تحته فصلان هما: النحو عند بلومفيلد، وتشومسكي والنحو التحويليّ(16). وذكر نعمان بوقرة أنّ من فروع اللسانيّات العامّة أو اللسانيّات النظريّة علم النحو(17). وقد أدرج عاطف فضل في فروع علم اللغة النظريّ Theoretical Linguistic s علم النحو(18). ويعرّف إميل يعقوب وصاحباه الألسنيّة أو اللسانيّة بأنّها «العلم الذي يدرس اللغة أصواتًا وتراكيبَ ونحوًا وصرفًا ودلالةً في ذاتها، ومن أجل ذاتها بهدف تقديم وصف موضوعي كامل ومحدد لها»(19). وقد خصّص زينايدا بوبوفا ويوسف ستيرنين الموضوع الحادي عشر بعنوان: تصميم نظام اللغة الفرعي النحوي(20). وأورد محمد محمد يونس علم النحو أو علم التراكيب ضمن فروع اللسانيات النظرية(21). وعرّف مبارك مبارك مصطلح الألسنيّة بأنّه «علم يبحث في اللغة من جميع جوانبها الصوتيّة والنحويّة والدلاليّة والمعجميّة»(22). وقد عقد جفري سامسون الفصل السادس حول نوم تشومسكي والنحو التوليدي(23). ويدرج رمزي بعلبكيّ علم النحو ضمن مصطلح General Linguistics(24). وعدّ محمود سليمان ياقوت دراسة التركيب النحويّ من المجالات التي يدرسها علم اللغة Linguistics(25).
نخرج من النقولات السابقة أنّ كثيرًا من الدارسين المعاصرين قد أدرجوا علم النحو ضمن علم اللسانيّات بوصفه مستوًى من مستويات الدراسة العلميّة للغات، وأنّ الذين فصلوا بين علم النحو واللسانيّات قد لحظوا مسألة المنهج، وقرّروا بأنّ علم النحو معياريّ، وأنّ علم اللسانيّات وصفيّ، وهذا ليس بدقيق؛ لأنّ سلوك كثير من النحويّين في دراسة ظواهر النحو وقضاياه كانت تنحو منحًى قريبًا من المنهج الوصفيّ في دراسة المادّة اللغويّة، وقد ألّفت كتب في تتبّع المنهج الوصفي عند النحويّين العرب(26)، وقد يعترض معترض على ذلك بأنّ الدارسين المعاصرين يقصدون النحو الوصفيّ، ونقول إنّ الوصفيّة متجلّية أشدّ التجلّي في أعمال النحويّين العرب المتقدّمين.
... ... ... ...
الحواشي:
(1) https://graduatestudies.ksu.edu.sa/ar/node/1855
(2) الفوزان، عبد الله: شرح الورقات في أصول الفقه، ص207.
(3) الفوزان، عبد الله: شرح الورقات في أصول الفقه، ص210.
(4) العثيمين، محمّد: شرح نظم الورقات في أصول الفقه، ص13، البيت رقم: 191.
(5) انظر الجُـرّ، خليل، لاروس المعجم العربيّ الحديث، ص 1037، مادّة (ل/غ/و).
(6) انظر مارتينيه، أندريه: مبادئ اللسانيّات العامّة، ترجمة: أحمد الحمو، ص9.
(7) انظر غلفان، مصطفى: في اللسانيات العامّة تاريخها طبيعتها موضوعها مفاهيمها، ص191، ص192.
(8) Merrian Webster›s Collegiate Dictionary, P. 724
(9) Longman Dictionary of Contemporary English,P. 1018.
(10) Jack c. Richardsالجزيرة Richard Schmidt, Longman Dictionary of Language Teachingالجزيرة Applied Linguistics, P. 343.
(11) see O›Grady Williamالجزيرة Dobrovolsky Michaelالجزيرة Katamba Francis: Contemporary Linguistics An Introduction, p.181-p.244.
(12) Cambridge Advanced Learner›s Dictionary, Cambridge, p.835.
(13) البعلبكيّ، روحي: المورد العربيّ قاموس اللغة العربية المعاصرة مع كلّ المترادفات، ص207.
(14) انظر الزراعي، حسين بن عليّ: اللسانيّات وأدواتها المعرفيّة، ص37، ص40، ص251، ص260، ص278.
(15) انظر إستيتيّة، سمير شريف: اللسانيّات المجال والوظيفة والمنهج، ص157-ص245.
(16) انظر الشايب، فوزي حسن: محاضرات في اللسانيّات، ص359-ص464.
(17) انظر بوقرّة، نعمان: اللسانيات اتّجاهاتها وقضاياها الراهنة، ص20.
(18) انظر فضل، عاطف: مقدّمة في اللسانيات للطالب الجامعي، ص61.
(19) يعقوب، إميل؛ بركة، بسّام؛ شيخاني، ميّ: قاموس المصطلحات اللغويّة والأدبيّة عربيّ-إنكليزيّ-فرنسيّ، ص279.
(20) انظر بوبوفا، زينايدا؛ ستيرنين، يوسف: اللسانيّات العامّة، ترجمة: تحسين رزّاق عزيز، ص285-ص305.
(21) انظر عليّ، محمد محمد يونس: مدخل إلى اللسانيات، ص15، ص16.
(22) مبارك، مبارك: معجم المصطلحات الألسنيّة فرنسيّ إنكليزيّ عربيّ، ص168.
(23) انظر سامسون، جفري: مدارس اللسانيّات التسابق والتطوّر، ترجمة: محمّد زياد كبة، ص135-ص173.
(24) انظر بعلبكي، رمزي منير: معجم المصطلحات اللغويّة إنكليزي عربي مع 16 مسردًا عربيًّا، ص208.
(25) انظر ياقوت، محمود سليمان: قاموس علم اللغة إنجليزيّ عربيّ، ص526.
(26) انظر على سبيل المثال: أحمد، نوزاد حسن: المنهج الوصفي في كتاب سيبويه؛ الراجحي، عبده: النحو العربيّ والدرس الحديث بحث في المنهج.
** **
- د. فهد بن عبد الله الخلف