د.محمد بن عبدالرحمن البشر
رمضان شهر كريم، فرضه الله علينا نتقرب بصيامه إلى الله طاعة وامتثالاً، لكن غالباً ما يصاحب قدومه استعدادات منزلية كبيرة وكثيرة، وغالبها مطبخية، تشمل أواني الطبخ، وسفر الطعام، والمواد الغذائية الأولية اللازمة لهذا الشهر الكريم، وكأننا قادمون على معركة طعامية استثنائية، تحتاج إلى استعدادات غير معتادة.
تطلب ربة البيت من الزوج ما تظنه ضرورة من ضرورات هذا الشهر الكريم، وقد يصاحب ذلك كثير من المشقة المادية، وقد يطلب الرجل من ربة البيت أنواعاً من الطعام قد ترهقها تجهيزاً وإعداداً وقدرة، وربما لا يوافق بعضاً مما جهزته ذوق بعض من أفراد العائلة، لكنها ملزمة بأن تحضر شيئاً ما مختلفاً، كما أن على الرجل أن يكون مستعداً لدفع مبلغ غير ما اعتاد على دفعه.
الأسواق والباعة يرون ذلك الشهر الكريم فرصة غير معتادة لزيادة المبيعات، فتنهال العروض في الكمية والسعر، وهي أيضاً مناسبة لتخفيف مخزون من كل ما هو متاح، وفي الغالب أن هناك شهية للشراء سواء كان لحاجة، أو لغير حاجة.
في الأيام القليلة قبل دخول الشهر الكريم، يتم تقليب صفحات الجوال للبحث عن أكلة غير معتادة، سواء كانت محلية، أو غير محلية، حتى أنه يمكن لأي سيدة أن تحضر في كل يوم بنفسها، أو من خلال التوصيات من مساعداتها، أطباقاً تخص كل دولة على حدة، فمن المطبخ المحلي، إلى مناطق المملكة المختلفة، إلى أطباق متنوعة لكل منطقة في كل دولة على حدة، مصر، لبنان، سوريا، العراق، المغرب، الصين، الهند، طاجاكستان، وغيرها.
لكن مع كل أسف في الغالب، فإن الزيوت والسكريات والحلويات، والمقليات، هي المكون المشترك فيما بينها.
لقد سئم الطب والأطباء، والإعلاميون والعلماء، والمجربون والفطناء، من النصح، للتعريف بضرر ذلك النوع من تحضير الأكل فيمكن للإنسان أن يأكل أكلاً طيباً لا يتضمن مقليات، ولا متشبع بالسكريات، يمكنه أن يجد أكلاً شهياً صحياً، خالياً من كل ما هو مضر، لكن من الغريب أنه سعى لكل ما هو غير صحي في الغالب، رغم أن الإنسان يمكنه أن يعود نفسه على الأكل الصحي وحسب.
تغيير العادات غير الموروثة أسهل بكثير من العادات الموروثة، فالموروثات من العادات مثل الحمق، فهي داء شق علاجه على الأطباء، لهذا قال الشاعر:
لكل داء دواء يستطب به
إلا الحماقة أعيت من يداويها
ومثل داء الحسد والعياذ بالله، لهذا فقد قال الشاعر:
كل العداوات قد يرجى براءتها
إلاَّ عداوة من عاداك عن حسد
أو قول الآخر:
اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله
والغدر أخس الطباع، وقد قال أبو العلاء المعري:
الغدر فينا طباعٌ لا ترى أحداً
وفاؤه لك خير من توافيه
هذه الطباع يصعب التخلص منها، إما أن تغير عادتك في استساغة طعام معين، فذلك لا يحتاج إلى عناء كبير، فقط إرادة يسيره، لاسيما أن التقنية وفرت لنا -بحمد لله- أدوات لا تحصى للحصول على طعام لذيذ أقل ضرراً مما كان موجوداً من قبل.
من الغريب أن الكثير ما زال يصر على أن يستخدم الطرق القديمة التي اعتاد عليها لتجهيز طعامه، ولا يريد أن يحيد عنها، حتى وإن أراد أن يجرب غيرها، فإنه يرسم الرفض مسبقاً في عقله الباطن، لهذا فإن الرفض جاهز لأنه أقل عناء من التدريب على استساغة أكل جديد، لكن بعد حين ولو حدث أمر غير مرغوب مثل المرض -كفانا الله وإياكم شر الأمراض-، وتمنى لو أنه درب نفسه على ما أصبح يفعله مجبراً.
قال الشاعر:
ثلاث هن مهلكة الأنام
وداعية الصحيح إلى السقام
دوام مدامة ودوام وطء
وإدخال الطعام على الطعام
من الغريب في العادات أن هناك متسعاً من الوقت لشراء معظم ما يتطلبه الشهر الكريم، ولكن في الغالب فإننا نؤجل ذلك الأمر حتى آخر يومين قبل رمضان، فيكون الزحام بدرجة تفوق الوصف في منظر عجيب غريب، بعد عدة أيام من دخول الشهر ينتهي الأمر وتعود الأمور كما كانت، لاسيما أن كورونا متواجد بيننا ويحتاج إلى احترازات خاصة.
مشكلة مستجدة في عاداتنا الموروثة، وهي الطلب من المطاعم بعد أن سهلت التقنية ذلك الأمر، فأخذ الطلب الخارجي جزء من المائدة، ولهذا فإن الحديث عن تلك المطاعم، وما يمكن أن تضيفه بمناسبة هذا الشهر، سائدة بين الأقرباء والأصدقاء والجيران، وكل منهم ينصح صاحبه بما يراه حسناً، وكلنا يعلم ما تحتويه تلك الأطعمة المجهزة خارج المنزل من مواد قد يكون بعضها غير مفيد أو مضراً بالصحة، من خلال المبالغة في الزيوت والسكريات، والنكهات، ورب أكلة حرمت أكلات.
اليوم لم يعد هناك حدود في معرفة أنواع الأطعمة، ولا توفر مواد وأدوات تجهيزها، لهذا فإننا نحتاج إلى توفر إرادة تمنعنا من أكل ما تريد، إذا كان غير مفيد، فصراع هوى النفس مع ما يحيط بها سر النجاح في كثير من الأمور، في الأكل، والشرب والسلوك، وغيرها، يقول البصيري:
من لي يرد جماح من غوايتها
كما يرد جماح الخيل باللجم
إلى أن قال:
كم حسنت لذة للمرء قاتلة
من حيث لم يدر أن السم في الدسم
فإن كان البصيري، يعني بذلك أن السم مدسوس في الدسم، فإننا نظن أن الدسم في ذاته سم بذاته، لا يحتاج إلى غيره.