زكية إبراهيم الحجي
لا جدال أن الإعلام يُمثل مفهوماً عصرياً ينطبق على وجه الخصوص على عملية الاتصال التي تستخدم الوسائل العصرية من صحافة وإذاعة وغيرها، حيث لم تكن مفردة إعلام متداولة على الألسن في الزمن السابق، وقديماً لم تطلق كلمة الإعلام على عمليات الاتصال بين الأفراد والشعوب.. إنما كان المُسمى هو التبليغ أو كما أشار الدين الإسلامي «الدعوة» وهو الأقرب إلى المفهوم العصري للإعلام.. اليوم ومع التطور التقني الهائل الذي طرأ على وسائل الإعلام في العقدين الأخيرين، والذي تمثل أيضاً في إلغاء الحواجز الزمنية والمكانية إلى جانب تنوع وسائل الاتصال لم يعد بالإمكان إغفال دور الإعلام واستثماره كأداة مهمة في العملية التربوية.. فالتطور التكنولوجي فرض نوعاً من التكامل بين الإعلام والتربية، وبالتالي بات الإعلام محوراً رئيساً تعتمد عليه العملية التربوية.. ومن نافلة القول إن وسائط التربية وإعداد الأجيال لم تعد تقتصر على الوسائط التقليدية المتمثلة في الأسرة والمدرسة وغيرها، بل أصبح الإعلام وسيطاً تربوياً مزاحماً لا غنى عنه في العملية التربوية واكتساب المهارات الحياتية المختلفة.
إن الثورة التكنولوجية التي غزت العالم وفرضت نفسها على واقعنا المعاصر ودخلت بيوتنا رغماً عنا وبدون استئذان، وأصبحت جزءًا من نسيج حياتنا جعلت التربية الإعلامية أكثر إلحاحاً في وقتنا الحاضر.. فإذا كانت الأسرة هي الوحدة الأساسية للتنشئة الاجتماعية والحاضنة الطبيعية للفرد من مولده حتى وفاته، وبالتالي فهي من يقوم بتشكيل سلوك الفرد في جميع مراحل حياته فإن الإعلام التربوي أحد العوامل المهمة التي توجه الوظيفة التربوية للأسرة لتقوم بدورها في التنشئة الاجتماعية، وهذا الدور يزداد أهمية وتأثيراً بانتشار وسائل الإعلام وتطورها واختراقها لجميع مناحي حياة الفرد والمجتمع.
الإعلام والتربية عنصران متلازمان لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض.. وفي وقتنا الحاضر بات منحنى التطور التكنولوجي في وسائل الإعلام يتمركز حول برامج مختلفة قد يتقبلها البعض ويرفضها آخرون لسبب ما.. فإذا كانت التربية الإعلامية تعني التفكير النقدي والمشاركة النقدية وإنتاج الأفكار الجديدة وطرح النماذج الإيجابية المتعلقة بالمجتمع وطبيعة أفكارهم، فإن الهدف الأسمى من التربية الإعلامية هو حماية أفراد الأسرة والمجتمع من سلبيات ما يُعرض ويُقدم في جميع وسائل الإعلام التقليدية منها والرقمية، فكل هذه ما هي إلا أدوات بيد غالبية الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية، ومن هنا يأتي دور الإعلام التربوي كوسيط للتوجيه والإرشاد فيُسخر إمكاناته لتنمية الوعي الأخلاقي والمعرفي الكافي للتصدي للكم الهائل من الممارسات الخاطئة.. إن ثنائية الإعلام والتربية لم تتشكل اعتباطاً بقدر ما هي استجابة لحاجة اجتماعية تفرضها البيئة الاجتماعية لتكوين شخصية الفرد الحاضر والمستقبلي، لذلك فإن خاصية التربية الإعلامية تحتاج إلى ثقافة ورؤية واضحة لممارسة الدور الإيجابي.