د.صالح بن عطية الحارثي
يكون الممارس الصحي (وهو كل من يرخص له بمزاولة المهن الصحية) مخطئًا إذا قيس ما فعله على ممارس صحي مماثل من نفس المستوى، وفي نفس الظروف، فإذا فعل ما يفعله مثله في العادة؛ فإنه لا يوصف فعله بالخطأ، وإذا فعل ما لا يفعله مثله في العادة؛ فإنه يوصف فعله بالخطأ. كما يعد مخطئًا إذا ثبت أنه تعدَّى أو فرَّط.
ولا شك أن هذا يستلزم منه العمل وفق الأصول العلمية المتعارف عليها في مهنته، تلك الأصول التي ينبغي لكل ممارس صحي الإلمام بها، وهي المسلَّمات إن صح التعبير، أما المسائل التي تقبل جدلًا بين أهل تخصصه فلا يكون سلوك طريقة دون أخرى سببًا للتخطئة.
وهذا -فيما ظهر لي من خلال أقوال الفقهاء- هو معيار قياس خطأ الممارس الصحي.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: إذا كان الطبيب حاذقاً، وأعطى الصنعة حقَّها، ولم تجنِ يده، أو يقصر في اختيار الدواء الملائم بالكمية، والكيفية، فإذا استكمل كل ما يمكنه، ونتج من فعله المأذون من المكلف، أو ولي غير المكلف تلفُ النفس، أو العضو: فلا ضمان عليه، اتفاقاً؛ لأنها سراية مأذونة فيها، كسراية الحد، والقصاص.
وأفتت اللجنة الدائمة، بأنه: «إذا فعل الطبيب ما أُمر بفعله، وكان حاذقًا في صناعته، ماهرًا في معرفة المرض الذي يجري من أجله العملية وفي إجرائها، ولم يتجاوز ما ينبغي أن يفعله: لم يضمن ما أخطأ فيه، ولا ما يترتب على سرايته من الموت، أو العاهة؛ لأنه فَعَلَ ما أذن له فيه شرعًا».
فهذه أقسام الأطباء، وهذه أحوالهم وأحكامهم، وتنطبق هذه الأحكام على كل من يشتغل بالطب، وتصدق هذه الأحكام على: الحجّام، والفاصد، والمجبِّر، والكوَّاء، والمعالج للحيوانات، ولا شك أن الصيدلي داخل كذلك في جملة أحوال وأحكام هؤلاء.
والواجب على الأطباء أن يتقوا الله تعالى في المرضى، وألا يتعجلوا التشخيص، وأن يتعاونوا مع غيرهم ممن هم أعلم منهم، وأن يعترف من أخطأ منهم.
فيجب على الطبيب أن يتحرى في تشخيص المرض، ويتعاون مع زملائه في ذلك قبل إجراء العملية، ويستعين في التشخيص بقدر الإمكان بالآلات الحديثة، ولا يتعجل بالعملية قبل التأكد من التشخيص؛ خوفاً من الله تعالى؛ وأداءً لواجب الأمانة؛ وإيثارًا لمصلحة المريض؛ وتقديمًا لها على مصلحة المعالج.
والحاصل: أن الممارس الصحي مطلوب منه بذل عناية يقظة تتفق مع الأصول العلمية المتعارف عليها، فمتى أخل في بذلها كان مخطئًا.
وقد أكَّد المنظم السعودي في المادة (26) من نظام مزاولة المهن الصحية ذلك: «التزام الممارس الصحي الخاضع لأحكام هذا النظام هو التزامٌ ببذل عناية يقظة تتفق مع الأصول العلمية المتعارف عليها».