د. عيد بن مسعود الجهني
العداء الأمريكي - الإيراني (الظاهر) لنا نحن العرب نستند إليه في عناصره إلى عام 1979 عام ثورة الخميني عندما قام طلاب إيرانيون في 4 نوفمبر 1979 بالاستيلاء على السفارة الأمريكية في طهران واحتجاز عدد من الرهائن، وامتدت تلك الحادثة لـ(444) يوماً لتمثل توتراً غير مسبوق بين الدولتين.
أزمة الرهائن الأمريكيين الذين كان عددهم (98) شخصا وصفه الخميني آنذاك بأنه يمثل ثورة أكبر من ثورته ضد الشاه.
الأسوأ من ذلك أن الإيرانيين وبمباركة الخميني خلال شهر أبريل من العام التالي عرضوا بعض جثث الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في مهمة الإنقاذ الأمريكية.
وقد استمر الحال على ما هو عليه حتى وافق الخميني في الثالث من نوفمبر 1980 على تخلي المسلحين عن مسئولية الرهائن وإسنادها للحكومة الإيرانية، ليسجل التاريخ حل المشاكل بين البلدين بتاريخ 20 يناير من العام التالي وإطلاق سراح الرهائن في عهد السيد ريجان.
إذا العلاقات بين الدولتين منذ ثورة الخميني وهي من سيئ إلى أسوأ كما يفهمه معظم العرب الذين قد يبلغ عندهم حد الاقتناع أن أمريكا معهم على طول الخط ضد طهران.
لكن هل الولايات المتحدة وإسرائيل مثلا أطلقت رصاصة واحدة باتجاه إيران حتى عندما صرخ نجاد معلنا عزم بلاده على مسح إسرائيل من الخارطة الدولية، مكررا كذبة الخميني وبعده خامينئي أن الطريق إلى تحرير القدس الشريف يمر عبر العراق وسوريا، وتغلغلت طهران في العراق وسوريا ولم تقترب شبرا واحدا من الحدود العبرية وسجل التاريخ الكذبة الكبرى.
في عهد السيد ترامب الذي أزبد وأرعد ضد طهران، وانسحب من اتفاقية ملفها النووي، الحقيقة تقول (لا) فعندما قام الإيرانيون بإسقاط طائرة (اركيو - 4 غلوبال هوك) المعقدة الصنع والتي تبلغ قيمتها أكثر من (450) مليون دولار بصاروخ أرض جو بتاريخ 20 يونيو 2019 كان رد ترامب (سترون قريبا).
ومع دراسة الخيارات الأمريكية في الرد الحازم على إيران صدمت أسواق المال والاستثمار والنفط خاصة فارتفعت أسعاره في سوق النفط الدولية بنسبة 6 في المئة بسبب المخاوف من إغلاق مضيق هرمز مع احتمال ضربة عسكرية أمريكية للرد على إيران.
وقد جاء رد ترامب بمضمونه الإنساني، انه فكر وتدبر الأمر مع قادته العسكريين ليخرج بنتيجة مؤداها أن إقدامه على ضرب إيران قد يؤدي إلى هلاك (150) شخصا وهذا بالنسبة له كمهتم بحقوق الإنسان أمر غير مطروح واكتفى الرجل بإرسال طائرات ب 52 للاستعراض لا أكثر ولا أقل.
وتبرز الحقيقة أكثر عندما تعرضت القواعد الأمريكية في العراق لهجمات صاروخية إيرانية متكررة منها إطلاق عشرة صواريخ على قاعدة عين الأسد الأمريكية وقواعد أربيل والتاجي انتقاما لمقتل سليماني وقد أشارت بعض التقارير إلى جرح حوالي (109) من الجنود الأمريكيين، فكان الرد الأمريكي الشجب والتهديد والوعيد، لكن لم يتجه صاروخ واحد باتجاه طهران ردا على الصواريخ العشرة رغم علم قادة أمريكا العسكريين تدني قوة الطيران الإيراني وهشاشة الوضع السياسي الداخلي في ذلك البلد.
هي نفس سياسة كارتر وريجان ومن جاء بعدهما تهديدات ضد إيران لكن نرى (جعجعة ولا نرى طحينا) والتاريخ يقول إن إسرائيل التي هي امتداد إستراتيجي للأمن الأمريكي عندما شمت رائحة أن العراق يسير في مشروع مفاعل نووي سلمي لم تتأخر يوما واحدا فاتخذت قرار ضرب ذلك المشروع لتقتلعه من أساسه.
لكن عندما يتعلق الأمر بإيران فتلك مسألة أخرى، فمن لديهم خبرة في الإستراتيجية العسكرية يدركون أن الإدارة الأمريكية صاحبة مبدأ كارتر الشهير، وإعلان ترامب انسحاب بلاده من اتفاقية الملف النووي الإيراني (5+1) هي الإدارة الأمريكية في عهد سيد البيت الأبيض الجديد السيد بايدن الذي قرر نقض قرار ترامب والعودة إلى مفاوضات جديدة مع إيران التي استغلت غضب ترامب ورفعت تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المئة.
وإذا كانت إسرائيل قد اتفقت مع قيصر روسيا السيد بوتن على أن يكون تواجد القوات الإيرانية في سوريا على بعد (80) كليومترا من حدود إسرائيل، فهذا دليل آخر على قبول التواجد الإيراني في بلاد الشام مادام انه لا يهدد الأمن الإسرائيلي، وبذلك تتضح المعادلة الأمريكية والإسرائيلية على عدم المواجهة العسكرية مع بلاد الفرس.
هذه حقيقة لاتقبل الجدل، رغم أن الدولتين يعلمان علم اليقين قوة إيران الحقيقية منذ جاء الخميني إلى السلطة وحتى اليوم، فسلاح إيران الجوي بلغ من العمر عتيا فسنه تخطى التقاعد، ومن تلك الطائرات الحربية طائرات اف 14، ميج 29، سوخوي 24، اف 5 وتلك الطائرات كان تصنيعها في زمن الستينيات والسبعينيات وتعد من فئة الطائرات القديمة مقارنة بطائرات القرن الواحد والعشرين.
معادلة أخرى في (القوة) تتمثل في امتلاك ايران ترسانة صواريخ قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى منها صاروخ سجيل ومداه حوالي 2000 كيلومتر، اروخ سومار نوع من صاروخ كروز يصل مداه إلى 2000 و3000 كليومتر، صاروخ شهاب3 يبلغ مداه مابين 1300 و1500 كيلومتر، وصاروخ قدر ومداه 1800 كيلو متر وهناك صواريخ أخرى مداها قصير كصاروخ زلزال وفاتح، وفجر الذي تزود حزب الله والحشد الشعبي والحوثيين به إضافة إلى تزويد الحوثيين بصواريخ طويلة المدى استغلت باستهداف المنشآت السعودية المدنية.
تصنيع هذه الصواريخ بعيدة المدى مخالف للاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5 + 1) حيث وافقت إيران على وقف برنامجها النووي مقابل رفع بعض العقوبات عنها وقرار مجلس الأمن الذي دعم ذلك الاتفاق دعا إيران إلى الامتناع عن تطوير صواريخ بالستية قادرة على حمل أسلحة نووية.
فهل التزمت إيران الإجابة بـ(لا) بل إنها ذهبت إلى أبعد من ذلك تقدمت في صناعة صواريخ بعيدة المدى بل طورت برنامجها النووي فقد بدأت بالفعل فور انسحاب ترامب من الاتفاق النووي بتخصيب اليورانيوم بنسبة بلغت 20 في المئة رغم تحذير الدول الأوروبية لها، وبذا فإنها خالفت الاتفاق النووي نصا وروحا، وهاهي ترفض شروط السيد بايدن العودة الى الاتفاق النووي.
وبذا يصبح الاتفاق الذي وقع عام 2015 حبرا على ورق، ويمكن لإيران أن تذهب بعيدا في غيها وتعنتها إلى المضي قدما بلوغ هدفها المنشود بتصنيع السلاح النووي الذي يمكن أن يكون حقيقة إذا ما استطاعت تخصيب اليورانيوم بنسبة (95) في المئة.
بهذا فإن طهران خرقت الاتفاق النووي وقرار مجلس الأمن المؤيد لذلك العهد، بل إنها وضعت القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ومعاهدة منع انتشار أسلحة الدمار الشامل التي هي موقعة عليها في سلة المهملات، واتجهت إلى مصادر عدة منها روسيا التي وقعت مع طهران عام 2001 اتفاقية تعاون مدتها (10) سنوات في مجال التعاون النووي وتم تمديده إلى (20) عاما.
وقد جاء الاتفاق الآخر والأكبر حجما في أواخر شهر مارس الماضي مع الصين إحدى الدول التي وقعت على اتفاق 2015، ليسجل الاتفاق تعاونا اقتصاديا واستراتيجيا وتكنولوجيا معلومات.. إلخ، مدته (25) عاما باستثمارات صينية تبلغ حوالي (400) مليار دولار بشروط صينية تجعل من إيران ترتمي بأحضانها أمام القيود والشروط الأمريكية.
ناهيك التعاون مع كوريا الشمالية على وجه الخصوص لتطوير صناعتها النووية والصاروخية، فكوريا الشمالية صادراتها السنوية من الأسلحة تبلغ (200) مليون دولار تذهب معظمها إلى طهران مقابل نفط بطريق مباشر أو غير مباشر.
السؤال المطروح هل إيران ستخضع للاتفاقيات التي وقعت عليها لوقف زحفها إلى مشروعها النووي ومعه مشروع صواريخها البالستية بعيدة المدى وتكملة السؤال بسؤال بزميل له هل العقوبات المفروضة على ذلك البلد ستأتي أكلها لمنعه من السعي لاستكمال مشروعه الإستراتيجي امتلاك القوة النووية والصواريخ الحاملة لها؟
الجواب نأخذه من عبر ودروس بلوغ كوريا الشمالية امتلاك القنابل النووية والهيدروجينية، وتقدمت كثيرا في صواريخها العابرة للقارات، رغم العقوبات المشددة على تلك الدولة، وعندما التقى زعيمها بالرئيس الأمريكي السابق ترامب في سنغافورة لم تكن النتائج أكثر من ظهور إعلامي للرجلين بل إن ترامب تخلى بعد ذلك اللقاء عن وصفه لرجل كوريا بـ(Rocket man) ولم يتنازل الكوري الشمالي عن ذرة واحدة من ذرات القنابل النووية، فمن يمتلك (جوهرة) لن يلقيها في عرض البحر. إذا رجال طهران وعلى رأسهم خامينئي الذي يتلقى الخُمس من الشيعة في كل أقطار الأرض، ويمد أذرع إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن بجزء من ذلك المال لمحاربة أهل السنة، هذا خامينئي ومعه قادة إيران رغم أن الشعب يعيش تحت وطأة الفقر المدقع والاقتصاد في أسوأ حالة والنفط في أدنى مستويات إنتاجه والعملة حدث ولا حرج فهي لا تساوي الورق الذي طبعت عليه.
رغم كل تلك الضغوط غير العادية فان طهران ساعية في مشروعها ولن يثنيها عنه سوى التدمير الكامل لهذا المشروع كما حدث في العراق، وهذا لن يحدث لا أمريكيا ولا إسرائيليا.
ونعتقد أن العرب بذكائهم الفطري وخبرتهم في دواليب السياسة والعلاقات الدولية والمفهوم الإستراتيجي للبناء العسكري يدركون هذا، بل ويدرك بعضهم أن المغازلة بين الأمريكيين والإسرائيليين والإيرانيين موجودة منذ زمن بعيد وهذا يرجح ماذهبنا إليه من أن الواقعة لن تقع بين الإخوة الثلاثة لا في الوقت الراهن ولا في الزمن البعيد، لكن عندما يتعلق الأمر بالعرب فإن أمريكا إذا أرادت القضاء على نظام سياسي عربي فعلت، وما إسقاط نظام صدام والقذافي- رحمهما الله- إلا مثل حي لذلك، لكنها في قضية طاغية سوريا لن ولم تفعل ذلك إذ تعتبره ومعه إيران سندا للأمن القومي الإسرائيلي.
وإذا أدركنا أن أمريكا وإسرائيل يعد ضربهما لبرنامج إيران النووي نوعا من الخيال، وأن قوة إيران سواء أكانت حقيقة أم خيالا، لذا فإن المحصلة النهائية تبقى في لغة القوة فهي الفيصل بين العرب وإيران خاصة دول المجلس، ونتذكر ان دول المجلس بطرحها الخيار النووي السلمي في قمة جابر الشهيرة في الرياض العاصمة السعودية قد بدأت خطوة الألف ميل.فالقوة عنصر أساسي لتحقيق طموحات الدولة في نطاق الزمان والواقع الجغرافي، فإذا لم تمتلكها الدولة جار عليها الأقوياء وداسوا على مبادئها وأهدافها بل وسيادتها واستقلالها.
يبدو جليا أن امتلاك القوة أبلغ وسيلة للحد من استخدام القوة المقابلة، وهذا نجد سنده في الممارسات الدولية على مستوى كل الصراعات قديما وحديثا فهي بشكل أو بآخر ضرورة حتمية لا غنى عنها ولا مهرب من التلويح بها أو استعمالها، تفرضها ظروف المتغيرات الدولية.
ويبقى القول على العرب نسيان مقولة حسن النية بمضمونها أن أمريكا معنا على طول الخط، فهي مع مصالحها، وهذه هي سمة العلاقات الدولية بين الدول، وما علينا إلا الاعتماد على أنفسنا وبناء قدرتنا العسكرية ندافع عن الجار والشقيق بل والصديق إذا جار عليه الأقوياء وهذا أحد أهم عناصر رؤية 2020 - 2030.
والله ولي التوفيق.
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة