منال الحصيني
استوقفني مقال منشور في إحدى الصحف، يروي حياة طبيب غارق في عمله حتى النخاع، فهو لا يكاد يجد وقتاً لنفسه.
مرت حياته ما بين المرضى وغرف العمليات...
طابع الجدية واضح في كتابته للمقال عن الشيء الذي يبحث عنه لإسعاد نفسه بعد تلك السنين...
كل الأشياء التي ذكرها دلائل مرئية على رحلة حياته اليومية، تحدث عن كل ما يحبه ويكرهه، كذلك عن كل ما هو مهووس به، عن مخاوفه وعاداته وأحلامه وطموحاته،
ببساطة كان يحكي قصة حياته التي ما زال يحملها حتى الآن...
استرسلت في قراءة ما كتبه، أظن أنه يتمتع بحياة جيدة جداً، فهو يحظى بأسرة متلاحمة، وأولاد لطفاء، وإخوة محبين، وأصدقاء أوفياء، ناهيك عن مركزه المرموق...
إذاً ما هي تلك السعادة التي يبحث عنها؟
أكملت القراءة، استوقفتني تركيبته العقلية، ومشاعره، توقعاته.
بدا لي أن هذا الطبيب نسي أن البشر يحملون بداخلهم شخصياتهم، وأنها تتبعهم كالظلال.. ونسي أن البيئة التي نعيش فيها تشبه ذلك القميص الذي يجب أن يعرف كيف يبدو عليه قبل أن يرتديه.
فكل شخص يمثل وحدة سيكولوجية وخليطاً من المشاعر والقرارات المصيرية..
أعرف جيداً أننا لا نرى سوى أجسادنا التي تحملنا، لكن الواقع مغاير تماماً..
فهي أفكارنا التي تشكل الرسائل التي ترسلها أرواحنا بدافع العاطفة والحدس.
نحن البشر عامة نعيش في مجتمعات تجعلنا مرتبطين بها، نحمل أسماء عوائلنا، مهامنا، نقاط ضعفنا وقوتنا، ما ينقصنا، ما نعطيه وما يأخذه الآخرون منا «إذاً علاقتنا الاجتماعية هي الأشياء التي نحملها معنا، فرضت علينا، هي قوانين كونية بالأصل»،
فكل الطبائع التي نتطبع بها مجرات كونية لشخصياتنا، بما في ذلك عالم الإدراك واللا إدراك المليء بالخيارات والاحتمالات.
أما عن نجوم هذه المجرة فهي متناثرة في سماء عقولنا، تزداد سطوعاً كلما نظرنا إلى ما يسعدنا بشكل منطقي أقرب للطبيعة البسيطة، بعيداً عن تعقيدات الحياة.
«حياة للبيع» جملة أثارت عاطفتي من طبيب يعالج الناس وغير قادر على علاج حياته.
أتعلمون لماذا؟
لقد كان يعتمد على نفسه في كل شيء من اللحظة التي يستيقظ بها في كل صباح إلى الوقت الذي يعود فيه إلى سريره ليلاً.
لم يدع لمن حوله أن يتفهموه، حتى حياته العاطفية طغت الجدية عليها مع الزمن حتى أصبحت روتيناً وشراكة يقتسمها، بيت وأولاد فقط.
لا عجب فهذا ما راكمته الأيام دون شعور منه.. بعد تلك السنين أصبحت حياة للبيع!!
نعم وبلا تردد حينما يفقد شعور العاطفة فلا قيمة للرفاهية، ربما عليه إعادة صياغة عنوانه، وجعل الآخرين قادرين على فهمه والتخلي عن الاعتمادية لأنها تجلب التوكل، وحينها لا أحد يستطيع أن يدلي بدلوه ليملأ نقص السعادة التي أشعر الآخرين أنه يحيا بها..
إلى ذلك الطبيب أقول: حينما تستيقظ غداً وفي كل يوم بعده، وعندما يرن منبهك.. فقط تذكر أنك إنسان عظيم، وروح تحمل معنى، فلا تفقدها داخل فوضى حياتك، تذكر فقط أفكار للبيع لا حياة للبيع.
لماذا؟