شروق عبدالله الثميري
تترجم الحكمة خلاصة تجارب الحياة والحال الفكرية لمن صدرت عنهم هذه الحكم. ويمكن ملاحظة تناقض معنى الحكمة ذاتها من قائل إلى آخر، أو من عصر إلى عصر داخل الثقافة نفسها؛ وهذا يدل على أنّ التفكير يتغير لا محالة، ويؤكد أيضاً على أنّ كلام الله عز وجل هو الكلام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ومن الحكم المتناقضة تماما قول الشاعر:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
وقول آخر:
تجري الرياح كما تجري سفينتنا
نحن الرياح ونحن البحر والسفن
ويقود تأمل هاتين الحكمتين إلى أهمية الاعتقاد في ترجمة الأفكار إلى كلمات تشكل الواقع؛ فالشعور الداخلي سبب رئيس في تحقيق الأمنيات وتحصيل الرغبات، وعلى العكس من ذلك تحول المشاعر السلبية كفساد النية والحسد والتشاؤم وغيرها من الوصول إلى المراد. ومن الأمثلة التي ذكرها العرب عن القلب وما يحمله قول عامر بن عبد القيس: «الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان»، وقال الحسن حين سمع متكلماً يعظ فلم تقع موعظته في قلبه ولم يَرق عندها: «يا هذا إنّ بقلبك شراً أو بقلبي».
وسلامة الصدر سبب رئيس في تيسير السبل والوصول إلى الأهداف؛ فإذا امتلأ القلب بتقوى الله تخلص من كل العوائق التي تحول دون المراد. ومما يجدر ذكره وأخذه في الاعتبار أنّ السعي الروحي المتمثل في تقوى الله وحسن الظن به وصدق النوايا وصفائها والتفاؤل أكثر قيمة من السعي المحسوس المادي، ودليل ذلك ما ورد في قصة ابني آدم اللذين قاما بالعمل نفسه، وكان ما في القلب هو سبب القبول، قال سبحانه وتعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (27) سورة المائدة.
وليست سلامة القلب سبباً في تيسير أمور الدنيا فحسب، إنما سبب الفوز يوم الخلود، وهي التي صغرت أمامها الدنيا وزينتها، {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} الشعراء، (88-89-90). فالقلب السليم سعادة في الدنيا والدين.