د.بكري معتوق عساس
إذا كان لمكة المكرمة وجزيرة العرب عموماً فضل على القارة الإفريقية بحملِ رسالة الإسلام، ونشرِ نورِهِ، منذُ فتحَ الصَحَابي عمرُو بنُ العاصِ رضي الله عنه مصرَ في العام 20هـ، أثناء خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إلى أن وَطِئتْ خيلُ عقبةَ بنِ نافعٍ الفهري القرشي شواطئ المحيطِ الأطلسيّ في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ... إذا كان ذلك كذلك فإن لإفريقيا فضيلةُ على الأمةِ في مقاومةِ الاستعمارِ المتوحِّشِ منذُ قَدَحَ الشيخُ المجاهدُ السلطانُ عثمان فُودي الفُولاني شرارةَ الثورةِ على الاستعمار، إلى أن تتابعتِ الدولُ الإفريقيةُ تنْفُضُ عنها أغلالَ المستعمرِ واحدةً فواحدةً، لقد قَدِمَ الشيخُ (عثمانُ فودي) إلى مكةَ المكرمةِ في زمنِ الشيخ محمدِ بن عبدالوهابِ رَحِمَ اللهُ الجميعَ، والتقى بكبار طلابهِ، وقيل التقى به شخصياً، وتأثَّرَ بدعوتهِ، فكانَ أنْ بني بعد رجوعهِ إمبراطورية إسلامية قويةً (صكَّتِ) المستعمرَ وأذنابه وكانت سبباً في انتشارِ الدعوةِ السلفيةِ في المغربِ الإفريقيِّ كلّهِ.
إن (عثمان فودي) ومثلُهُ (مَنْسَي موسى) و(الحاجّ محمدُ الأمين درَمي) و(أبو بكر بنُ عمرَ اللَّمْتُوني) وعشراتُ العُلماءِ والقادةِ والملوك الذينَ بنوا الحضارةَ الإسلاميةَ الإفريقيةَ يمثِّلونَ امتداداً طبيعياً لمكةَ وبيتِ الله الحرام، فمِنْ نورِهِ استقَوْا ... سواءُ منهم من زارهُ بجسدِهِ، أو من حامتْ روحُهُ حَوْلَهُ وحالتْ دون مَقْدمِهِ الصِّعابُ.
أستدعي كلَّ هذا التاريخِ العريقِ حين أري أمامي في مكةَ المكرمةِ أثناء مواسم الحج والعمرة رؤوسٌ الدعوةِ من البلدان الإفريقيةِ، فهم امتداداً طبيعياً لأولئكَ الأعلامِ الذين كانت زيارةُ معظمِهم لمكة المكرمة نقطةَ تحوُّلٍ في تاريخِهم وأقوامِهم، بل في تاريخِ الإسلام في القارة الإفريقية الخضراء.
إن هذا الحرص الكبير على زيارة الدعاة الأفارقة لمكة المكرمة والمدينة المنورة هو من تمام توفيقِ الله لهم، لما سيجده هؤلاء الدعاةُ في المدينتين المقدستين من سبحاتٍ إيمانية، ونَفَحات علميةٍ، وصفحاتٍ دعوية، ولأنَّ اطلاعهم على تجربةِ بلاد الحرمين المملكة العربية السعودية في نشر الإسلام وخدمتِهِ حكومةً وشعباً سيطوِّرُ أداءهم الدعويَّ بما يعنيهم -بإذنِ الله - على مهمتهم المباركة.
قال تعالي: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}.