عثمان بن حمد أباالخيل
البشر على اختلاف ألوانهم وديانتهم وأعراقهم ولغتهم يبحثون عن السعادة، لكنهم يختلفون في تعاريفهم لها. وهذا أمر طبيعي. هل الطبيعة لها علاقة بسعادة الإنسان؟ هناك الكثير من الناس يعيشون وسط طبيعة غنّاءة لكنهم ليسوا سعداء، وهناك أناس يعيشون وسط صحراء جافة لكنهم سعداء. إذًا السعادة كما يعرّفها علماء النفس إنها الشعور بالسرور والرضا عن حياتك، وهو شعور يتكرر نتيجة المشاعر وانفعالات سارة.
أما مفهوم السعادة في ديننا الإسلامي فهو شعور داخلي، يحسه الإنسان بين جوانبه، يتمثل في سكينة النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر، وراحة الضمير والبال نتيجة لاستقامة السلوك الظاهر والباطن المدفوع بقوة الإيمان. قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}.
ورد تعريف السعادة في قاموس المعاني على أنه مصدر الفعل سَعَد. والسعادة هي كل ما يتسبّب في دخول الفرح والبهجة إلى النفس الإنسانية. وتُستخدم كلمة السعادة للتعظيم لأصحاب المناصب الكبرى مثل المديرين، والوزراء؛ إذ يُطلق عليهم جميعًا أصحاب السعادة. وهذا الشاعر المخضرم الحطيئة أوجز معنى السعادة في بيت شعر:
(وَلَستُ أَرى السَعادَةَ جَمعَ مالٍ
َلَكِنَّ التَقيَّ هُوَ السَعيدُ)
التقي هو السعيد، والتقي هو: مَن يَتَّقِي الله تعالى، مَن يخاف الله، ويمتثل لأوامره. والسعادة التي يشعر بها الإنسان هي سعادة وقتية، وتختلف حسب عمر الإنسان؛ فلكل مرحلة من مراحل الإنسان تعريف للسعادة. قال أحد الحكماء: «إن الإنسان الذي يظن أنه يستطيع أن يكون سعيدًا طوال حياته ليس إلا مجنونًا».
الإنسان الذي يجمع المال يظن نفسه سعيدًا، والإنسان الذي يملك العقارات يظن نفسه سعيدًا، صاحب المنصب والجاه يظن نفسه سعيدًا، والطالب الذي ينجح في الامتحان يظن نفسه سعيدًا، والفتاة التي تشتري فستانًا جميلاً تشعر بالسعادة، والشاب الذي يشترى سيارة جديدة يشعر بالسعادة، والزوجان اللذان يحتسيان القهوة في مقهى جميل يشعران بالسعادة. للسعادة ألف وجه ووجه. والأم التي تتألم عند الولادة تشعر بألم مضنٍ، غير أنها تكون في أسعد لحظات حياتها؛ لأنها تضع مولودًا.
حافظوا على هرمون السعادة. في الواقع هناك مجموعة من الهرمونات والنواقل العصبية الكيميائية المسؤولة عن شعورنا بالسعادة، أهمها: السيروتونين، والإندروفين، والدوبامين، والأوكسيتوسين.
وللسعادة أسباب ومفاتيح، منها طاعة الله، والعطاء، والابتسامة، وسلوك طريق الحب والتفاؤل، والاعتناء بالصحة، وتنظيم تفاصيل الحياة والأصدقاء السعداء.
أما على مستوى مملكتنا الغالية فهي الأولى عربيًّا، واحتلت المرتبة الـ21 عالميًّا على مؤشر السعادة العالمي. ويشتمل المؤشر على تصنيف 149 دولة حول العالم بناء على عوامل، أهمها إجمالي الناتج المحلي للفرد، والحياة الصحية المتوقعة، إضافة إلى آراء سكان الدول. ويعتمد المقياس على مقياس تدريجي من 1 إلى 10 بشأن مدى الدعم الاجتماعي الذي يشعرون به في حالة وقوع مشكلة ما، وحريتهم باتخاذ القرارات المرتبطة بحياتهم الخاصة، وشعورهم بمدى تفشي الفساد في مجتمعاتهم، إضافة إلى مدى كرمهم.
الهدف من المقياس هو الاعتراف بتحقيق التنمية المستدامة، والقضاء على الفقر، وتوفير الرفاهية.
وفي الختام، سعادة الإنسان السعودي والمقيم أحد الأسس التي تطمح «رؤية المملكة 2030» إلى تحقيقها. إنها جودة الحياة، وبناء مجتمع ينعم الجميع فيه بنمط حياة صحي، ومحيط يتيح العيش في بيئة إيجابية وجاذبة. إن سعادة ورفاهية المجتمع تأتيان على رأس أولويات المملكة.
حفظ الله قائدنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وحفظ الله سمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، وأدام الله عز وطننا الغالي، وحفظه من كل شر.