خالد بن حمد المالك
ما حدث في الأردن مؤامرة مكتملة الأركان، وكان يمكن أن تقوِّض الأمن في البلاد، ويكون لها تداعيات على أمن عدد من دول المنطقة، لولا أنه تم اكتشافها خلال مرحلة التخطيط وقبل أن يتم التنفيذ، وتُوبعت من أجهزة الأمن لمعرفة كل التفاصيل في وقت مبكر، ولا يمكن أن نتخيل حجم آثارها لو نجحت وفق ما هو مخطط لها.
* *
وأكثر ما يلفت النظر في محاولة التآمر على النظام الأردني أن من بين الشركاء عناصر من الأسرة الحاكمة، ومن أولئك الذين يوصفون بأنهم من الدائرة القريبة جدًا من أسرة الحكم، سواء ممن وثق بهم وتولوا أعلى المناصب مدنيين وعسكريين، أو ممن كانوا مرتبطين بولي العهد السابق الأمير حمزة بن الحسين.
* *
ومع ما مرَّ به الأردن من ساعات صادمة، فقد برز التعاطف الخليجي والعربي والإسلامي والدولي مع الملك عبدالله الثاني وقيادته للمملكة الأردنية الهاشمية، ويأتي هذا التضامن المتعاطف مع الأردن بإجماع دول العالم ليؤكد على أن أي مساس بأمن واستقرار ونظام الحكم لا يخدم الأردن ولا دول المنطقة والعالم، وسوف يسيء للسياسة الأردنية المعتدلة في إدارة الملك عبدالله لشؤون البلاد.
* *
لكن السؤال: من المستفيد من هذه المؤامرة الدنيئة، وما مبررها، وكيف ستكون نتائجها أمنيًا واقتصاديًا وسياسيًا فيما لو نجحت؟ بنظري أن الأردن كان سيتجه نحو المجهول، وسيظل يعاني من تبعات هذه المغامرة المجنونة، ولن يكون بمقدوره أن يعود إلى وضعه الطبيعي في علاقاته الدولية، وفي استقرار البلاد.
* *
على أن المستفيدين من هذه المؤامرة كل من خطَّط لها وكان هدفه الاستحواذ على السلطة دون مراعاة لما سوف يلحقه ذلك من أضرار بالبلاد والمواطنين، والمستفيد من ذلك أيضًا دولة إسرائيل، لأن مثل هذه الأحداث تهيئ لها المناخ والفرصة ليكون الأردن الوطن البديل للفلسطينيين، والمستفيد أيضًا من ذلك تنظيم الإخوان المسلمين لعلهم يجدون في الأردن ملاذًا لهم لتحقيق مآربهم، ثم المستفيد ضمن المستفيدين إيران وتركيا، بحكم أن لهما أطماعهما في المنطقة العربية.
* *
لكن ليس هناك من عاقل يتصوّر أن مصلحة الأردن تقتضي أن يرتهن لمجموعة من ذوي الأطماع سواء من الداخل أو الخارج، وبالتالي أن يتعرض لأي تغيير يقوِّض الأمن في البلاد، وينهي سنوات طويلة من الخبرة والتجربة القيادية التي تميزت بالاعتدال والوسطية، والنجاح في علاقاتها الدولية، ومع أشقائها في العالم العربي.
* *
وما حدث وأعلن عنه في الأردن كان صادمًا ليس للأردنيين فحسب، وإنما لكل من يحب الأردن، ويرى فيه كل مقومات الدولة المسالمة، القادرة على ضبط إيقاع الأمن والاستقرار في المنطقة، من خلال دوره المتميز، ورؤية ملكه في التعامل مع القضايا الساخنة التي تمس الأمن في الأردن وفي هذه المنطقة المستهدفة من أعدائها.
* *
لقد ظل الأردن عبر تاريخه الطويل يواجه الكثير من التحديات والمؤامرات، ويتعامل معها بروح من التفاهم الدبلوماسي، لكنه مع ذلك كان صلبًا وعنيدًا وقويًا في مواجهتها إن تطلب الأمر ذلك، ولعلنا نتذكَّر من بين عشرات المؤامرات التي تعرض لها الأردن أحداث أيلول الأسود، وما كان من نتائجها المدمرة، قبل أن يتم السيطرة على القوى العسكرية الفلسطينية التي لم تراع ولم تقدِّر استضافة الأردن لها، ودفاعه في كل المحافل عن حقوق الفلسطينيين، ومثل ذلك هناك أحداث تكرَّرت، ومؤامرات كانت ولم تتوقف، لكن الأردن بقي صامدًا وقويًا وقادرًا على إفشالها.
* *
حمى الله الأردن مما واجهه ويواجهه من مؤامرات، وأبقاه شامخًا وقويًا وصامدًا في وجه أعدائه والمتآمرين عليه، وها نحن نراه اليوم أقوى وأشد بأسًا وقدرة في التصدي لمن يريد به شرًا، وإذا به يكتب مشهدًا جديدًا في ملحمة الثبات على طريق السير نحو المجد وحفظ الأمن في البلاد.